Abstract
ليس من شك إن للرواية اهمية كبرى في الأجناس الأدبية في العصر الحديث ، ولاحتلالها مكانة مرموقة في الأدب العالمي بوصفها جنسا معبرا عن حياة المجتمع وترتبط به بشكل أو بآخر فيه.
للرواية اتكاء على مرجعيات مختلفة ومتنوعة ضمنها: التاريخية والفلسفية والدينية والسياسية والثورية , الخ. فالروائي يعتمد على المرجعيات ليجعلها معرفة أيديولوجية فيما يختاره من أجزاء لمرجعية ما، أو تفضيله واختيار منها دون الأخرى , بما يجعلها أداة يتحرك من خلالها بما يخدم الكتابة الإبداعية ، وبما يناسب موضوعه المراد طرحه.
فعند القاء الضوء على مرجعيات الكاتبين نجد تنوعا بين مرجعياتهما بما يشكل لكل منهما مادته الاستلهامية الأدبية, لينطلق من خلالها نحو الإبداع الروائي.
ويعد المسار الثوري جزء من أثر السياسة في المرجعيات لدى الكاتبين بولغاكوف ونجيب محفوظ، اذ الهم كلا منهما موضوعات عدة منها أصبحت عمادا لإنتاجهم الروائي فيما بعد.
فعند تناول رواية "الحرس الأبيض " لبولغاكوف نلمس فيها رؤية الكاتب عن الثورة ومعطياتها ، فقيل فيه أنه ليس فقط محام للمثقفين، ولكن أيضا كمدع عام ومطالب بحقوقهم الرئيسية ، أبرزها الحرية والريادة في قيادة دفة المجتمع . ولاحظت الباحثة "دارلوفا" أن أدب القرن العشرين يعكس تنوع الفهم الفني للشخصية البشرية ، وعند تحليل العملية الأدبية في عشرينيات ذلك القرن نعثر على أن التناقض , والازدواجية علامة حاضرة في ذلك العصر، ومن الواضح أن الكاتب رصد تغيير القيم الأخلاقية والدينية ، وأراد العودة الى ما قبل الثورة كونها سببت خرابا لا تقدما يلحظ ، وان حل مسالة إمكانية تغيير طبيعة الإنسان يكمن من خلال ثقافته أي العمل والإبداع "
فألهمت الأحداث الجارية في مدينة كييف الكاتب بكتابة رواياته " الحرس الأبيض" و"البيض القاتل" وغيرها التي تكشف بدورها خصوصاً رواية "الحرس الأبيض" أن بولغاكوف كان على دراية تامة بعدم الاستقرار السياسي، والذي بسببه تعرض الناس للقتال مكرهين من أجل جانب معين أحياناً، لان المدنيين لا يمكنهم اختيار جانب معين، وهو ما وقع به المؤلف نفسه ، عندما اضطر للقتال بجانب " الهيتمان" في أوكرانيا ليس بمحض إرادته، بل سيق كطبيب يعالج جرحى الحرب، بالرغم من عدم رغبته في الاصطفاف الى ذلك الجانب .
اما نجيب محفوظ فقد رصد عملية تحول شخصيات من فكرة الاندفاع الثوري , والمناداة بالعدالة الاجتماعية إلى منتفعين , ومتسلقين للوصول المتعطش إلى السلطة ، والانتفاع من مزايا الانتساب إلى حزب معين , والتخلي عن المبادئ والأفكار التي نادى بها , وغرسها في آخرين , تبين أنها غير صادقة وكانت طموحة للوصول إلى المكاسب الآنف ذكرها ، ومنها شخصية "رؤوف علوان" في رواية "اللص والكلاب" التي حطمت حياة سعيد مهران بتشجيعه على السرقة من الأغنياء، و دخل السجن وعانى الويل والعذاب من جراء ذلك، وان المفكر الاشتراكي حاد وانحرف عن مبادئه، وأصبح أحد رجالات الدولة، وعاش في ترف مغدق بنعيم السلطة، مما سبب إحباطاً كبيراً ومؤلماً لدى "مهران " كونه ينظر إليه بأن لديه أيديولوجيا عادلة.
ومن رذائل الثورة التي طفت على السطح بالنسبة للكاتبين هو انتقادهم لسوء الاوضاع الاجتماعية بالإضافة الى السياسية في عهد الثورة في رواياتهم , فحملت رؤية ثاقبة لانشغال الحكومات المصرية بعد ثورة يوليو بالخطاب السياسية على حساب القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم المواطن بشكل مباشر. فالكاتبين لم يغفرا للسلطة غفلتها وتهاونها عن معاناة الناس بأشكالها المختلفة، فكانت تبني الطموحات والآمال عليها بتحسين ما يسوئهم ولكن لم يتحقق ما كانوا يأملونه
Keywords
ميخائيل بولغاكوف، نجيب محفوظ، المسار الثوري، أدب القرن العشرين، ثورة يوليو في مصر