Abstract
يتضح ممّا مرّ ذكره أنّ الباحثين اعتمدوا في حجاجهم على طرق متباينة تباين المسائل التي بحثوها، فلكلّ مسألة أسلوب من الحجاج يتوافق معها، بشكل أكبر ممّا لو اتخذوا منهجاً مغايراً في المسألة المبحوثة. فمثلاً، تبني رأي تسالم عليه النحاة أيسر بكثير من نقضه، وترجيح رأي من بين آراء النحاة أهون من تبني رأيٍ حديث لم يعهده الدرس اللغوي، واختيار وجه قال فيه أغلب النحاة أسهل من انتقاء وجهٍ شاذ لم يقل به إلّا نحويّ أو بعض النحويين، وهكذا؛ لذا من الطبيعي أنّ يتبنى الباحث منهجاً جدلياً يتناسب وموضع المناقشة في المسألة التي أخضعها إلى دراسته، فمناقشة مسألة متشعبة لم يتفق فيها النحاة تحتاج إلى دراسة تفصيلية، وبأسلوب علمي يكلله الوضوح والدقة، وبطريقة جدلية واضحة المعالم ينتقل فيها الباحث من الجزئيات إلى الكليات وصولاً إلى الحلّ، ومثل هذا الأسلوب يصدق حين ينقض الباحث فكرة أو مسألة اتفق جلُّ النحاة عليها. أمّا حين يتوافق الباحث مع ما يراه النحاة، فما عليه إلّا أنّ يبيّن السبب الذي دعاه إلى موافقتهم، في حين يجب عليه حين مخالفتهم أنّ يتعرض إلى السبب الذي حدا به إلى أنْ يتجنب ما ذهبوا إليه، ويوضح ما هو الخلل والوهم الذي وقع فيه هؤلاء النحاة، محاولاً تصويب ما فاتهم، داعماً حجته بالأدلة والبراهين التي ينجلي بها الشك والخلل. ويمكن أنْ نستنتج أنّ الباحثين كانوا موفقين إلى حدّ كبير في حجاجهم ما عدا بعض المواضع التي أشرنا إليها فيما سبق، نرى أنّهم قد جانبهم التوفيق فيما يبدو.