Abstract
إن أهم ما تهدف إليه المسؤولية المدنية هو تعويض المتضرّر عن الأضرار التي تلحق به من قبل الغير , سواء كان ذلك الغير إنسانا ًأو جمادا ًأو حيوانا ً, ويُعد التقسيم الأكثر قبولا ًوشمولا ً لدى غالبية فقهاء القانون والذي ساروا عليه في تقسيمهم للمسؤولية المدنية بأنها تقسم على مسؤوليتين : مسؤولية عقدية ( أو تعاقدية ) ومسؤولية تقصيرية , فالمسؤولية العقدية : هي مسؤولية يكون مصدرها \" العقد \" ( ) , أما المسؤولية التقصيرية , فهي : مسؤولية يكون مصدرها \" القانون \" ( ) , ولقد تطورت المسؤولية المدنية على نحو عام ، والمسؤولية التقصيرية على نحو خاص , وعلة ذلك هي إزدياد مظاهر النشاط من ناحية ؛ والتغيرات التي طرأت على الأحوال الإقتصادية من ناحية أخرى , وأصبح جهد الإنسان بذاته غير كافٍ لتحقيق أغراضه فتوجب عليه الإستعانة بنشاط الآخرين , وقد يلحق بغيره ضرراً ينشأ عن فعل يباشره أو يصدر عمن تحت رقابته ، فإذا إرتكب شخص فعلاً ضاراً ألحق بغيره ضرراً , فإن للمضرور الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء هذا العمل غير المشروع ، فالأصل أن الإنسان لا يسأل إلا عن فعله وعما يرتكبه هو من أخطاء , فلا يتحمل تبعات ما يقوم به غيره من أعمال ضارة , وكل هذا على غرار ما جاءت به قواعد المسؤولية , ووفق ما جاءت به أحكام الشريعة الإسلامية في تحمل الإنسان الأضرار التي يحدثها بنفسه وهو الذي نراه في أحكام الشريعة الإسلامية فقد وضعت قواعد أساسية في مدى تحمل الإنسان للأضرار التي يحدثها هو , إستنادا ً إلى ما أشارت إليه الآية الكريمة : {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}( ) وآيات أُخرى كثيرة في المقام( ) , ولإعتبارات معينة أقرت القوانين إلى جانب هذا النوع من أنواع المسؤولية - وإستثناء من الأصل – مسؤولية الإنسان عن عمل الغير ، والعلة في ذلك هي حماية المضرور بتسهيل حصوله على التعويض ، ذلك أن المسؤول عن عمل الغير يكون في الغالب أكثر يساراً من محدث الضرر , كما أن المضرور هو الجانب الضعيف , وقد وردت لهذه المسؤولية أحكام تتعلق بنوعيها ؛ وهما : مسؤولية متولي الرقابة عمن هم تحت رعايته , ومسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه 0
لذا فإن مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه - وهي إستثناء من الأصل - إقتضتها ضرورة الحياة المدنية الحديثة , ولغرض جبر الضرر , فالذي يُسأل غالباً هو المتبوع ؛ لأنه يكون غالباً أكثر يساراً من التابع ، ونظراً لأهميتها والتي أخذت في الإتساع بسبب التطور الاقتصادي والصناعي , فإنه قد تبادر السؤال عن أساس قيام هكذا مسؤولية ؛ حيث إختلف الفقهاء في طبيعة هذه المسؤولية ؛ هل هي مسؤولية ذاتية شخصية مباشرة , أم إنها ليست شخصية ؟ وتبعا ً لهذا الإختلاف إنبثقت مجموعة من النظريات نادى بكل نظرية مجموعة من الفقهاء لإتخاذها كأساس لمسؤولية المتبوع , ولكن المشكلة ليست فيما مر ذكره ؛ وإنما في تقرير القواعد الخاصة بمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه والتي تلزم المتبوع بأن يجبر الضرر الذي أحدثه تابعه بالغير , وذلك بأن يقوم المتبوع بتعويض الغير , لأنه مسؤول عن تابعه , فتحتم علينا لتوضيح ما ورد من تساؤل أن نسلط الضوء على أكثر النظريات القانونية الحديثة قبولاً كأساس لمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه في وقتنا الحاضر , وأسلمها تطبيقاً في الفقه الإسلامي كمسؤولية عن عمل الغير , وأكثرها إطمئناناً لحماية المضرور من ضر الغير ويسار حصوله على التعويض من الجانب الأقوى وهو المتبوع على حساب الجانب الأضعف وهو التابع , مع ضمان رجوع المتبوع على تابعه بما ضمنه ؛ على وفق هذا المبدأ – وهو الضمان -
وعلى هذا آثرنا تقسيم دراستنا هذه على مباحث ثلاثة تسبقها مقدمة , وتأتي بعدها خاتمة متضمنة ما توصلنا إليه من نتائج ومقترحات