Hammurabi journal for studies

لم تكن الإدارة الأميركية تدرك هذه اللحظة التاريخية والمفصلية، عندما وضعت ما بين خيارين أحلاهما أكثر مرارة من الآخر، فلم يكن متوقعاً أنَّها سترغم على اتخاذ قرارات تضعها في موضع الدفاع، وهي التي ظلت طوال تاريخها الممتد منذ خروجها الى العالم بعد انتهاء العمل (بمبدأ مونرو)، تعتمد نمط الهجوم الدائم والانقضاض على أعدائها، حتى وصولها الى مرحلة انتهاء الحرب الباردة، فاشتقت لنفسها فقط الحق في اعتماد أسلوب الحرب الإستباقية لمن ينوي معاداتها، حتى وأنَّ كان ذلك في سياق خطاب سياسي أجوف.

تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة البنى والمنطلقات التي أسهمت في تشكيل الثورات العربية، وأدت إلى تأسيس وعي جديد، من شأنه أنَّ يُنتج أنظمة سياسية عربية قائمة على الشرعية الشعبية في حال استطاعت الثورات العربية تجاوز مجموعة من القطوعات والمخاطر التي تنتظرها على أكثر من منعطف وطريق.
وإذ لا تزعم هذه الدراسة صوغاً نهائياً لأرضية الحراك الشعبي العربي، نظراً لحاجة الحراك المذكور لمسافة زمنية طويلة للوقوف على العناصر التفسيرية والسببية الجامعة له، كما هي حال الثورات الكبرى في التاريخ، من مثل الثورة الفرنسية، أو الثورة البلشفية في روسيا، أو الثورة الإسلامية في إيران، إلا أنَّ التأسيس لقراءة منطلقات الثورة العربية الكبرى، يبقى هدفاً لهذه الدراس- المقاربة في مسعى يُضيء على العوامل الظاهرة في تشكل الثورات العربية، فيما العوامل الكامنة يبقى لها تاريخها ودورها اللاحقان.

الثورة الديمقراطية التونسية التي أسقطت نظام بن علي البوليسي في تونس، والثورة الديمقراطية التي أسقطت نظام حسني مبارك الديكتاتوري في مصر، والحركات الاحتجاجية التي اندلعت في كل من اليمن والأردن والجزائر والبحرين وليبيا من أجل تغيير الأنظمة التسلطية الحاكمة، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة تقود إلى بناء دولة القانون، تشكل جميعها حراكاً اجتماعياً وسياسياً جديداً، جوهره الغضب العاري والعفوي ضد الفجور الذي تمارسه الأنظمة التسلطية العربية، المنخرطة في نظام العولمة النيوليبرالية، التي عمقت الهوة بين الأغنياء والفقراء في العالم العربي، وداست بأقدامها على كرامة الإنسان العربي، قبل أميركا.

ثلاثة مخاوف أساسية تسللت إلى الواجهة السياسية أو وجدت طريقها إليها ترافقاً مع ربيع الحرية والكرامة الذي حلّ على العالم العربي، فقد ارتفع قلق بعض الجهات والجماعات من القوى الدينية، بعضها لاعتبارات آيدولوجية والأخرى دينية أو طائفية وثالثة لأسباب سياسية أو اجتماعية وهكذا، لكن هذا القلق لم يكن هو الهاجس الوحيد لدى هذه القوى التي بقيت متخوّفة أو مترددة أو حتى مرتابة من التغيير بسببه، بل كان الخوف من الفوضى موازياً للخوف من القوى الإسلامية، لا سيما بعد تجربة \\\\"الفوضى الخلاقة\\\\" التي ضربت أفغانستان وبعدها العراق، بعد احتلالهما العام 2001 و2003، على التوالي.

على الرغم من أنَّ المجتمعات العربية منقسمة انقسامات عميقة في داخلها وفيما بينها أيضاً، إلا أنَّ العامل المشترك الذي أوضحته ثورتي تونس ومصر (2010-2011)، تمثل في الرفض التام لجموع الناس، التي انفجرت لواقع الحال الممتد منذ عدة سنوات، بل عقود من السنين. وهو الإجماع الذي لم يتعلق بأيَّ شعارات قومية أو إسلامية أو ليبرالية أو يسارية.
الملاحظ، كذلك، إنَّ انتفاضات هذه الجموع لم تأت استجابة لتوظيف أحداث دولية وإقليمية، كما كان يحدث، من قبل، في قضايا تتعلق بالأمة في أفغانستان والعراق وفلسطين وأماكن أخرى.

في ظل المتغيرات التي تجرُفنا بها وقائع ثنائية الأنظمة والشعوب ... حتى كُدنا نلهث من متابعة ما يجري... أين كان كل ذلك ... وأين كانت تلك الرموز المفزعة من قبيل الحكام والرؤساء والسياسيين ... وأين الكذب الذي تكفلت بها الشعوب العربية على أنّها أقوى الأمم ... وأعلم الأمم ... وأنزه الأمم ...الخ .... من قاموس أخدعهم فيرضوا.

منذ الرابع عشر من فبراير العام الجاري 2011، تعيش البحرين أحداث ثورة شعبية عارمة، تستهدف إسقاط النظام السياسي، وربما هي الثورة الشعبية الوحيدة في تاريخ العالم السياسي، التي تشارك فيها نسبة عالية من الشعب البحريني، والتي تستهدف إسقاط النظام السياسي، إذ بلغت نسبة المشاركة أكثر من ستين بالمائة من إجمالي السكان، حسب تقديرات جهات دولية محايدة كالسي إن إن الأمريكية ومحطة البي بي سي البريطانية. فما هي قصة ثورة شعب البحرين؟.
ولماذا أرتفع سقف المطالب من إصلاح النظام السياسي إلى التمسك بشعار \\"الشعب يريد اسقاط النظام\\"؟ أو في فترة لاحقة من أحداث الثورة التمسك بشعار \\"الشعب يريد محاكمة النظام\\"؟. وتحاول الورقة الإجابة عن عدة تساؤلات، وهي:
• ما هي حقيقة وملابسات تدخل قوات درع الجزيرة والقوات السعودية في البحرين؟.
• ما هي حقيقة الدور الأمريكي في مواجهة الثورة الشعبية في البحرين؟.
• ما هو مستقبل الثورة ؟ خاصة بعد فشل القبضة الأمنية والعسكرية في القضاء والإجهاض على الثورة بعد أربعة أشهر من القمع المتواصل لأحداث ومجريات الثورة.
وتهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على وقائع وحيثيات الثورة الشعبية في البحرين، من حيث العوامل التي أدت الى نشوبها وعناصر التغذية الأساسية فيها، والتي لا زالت تلهم هذه الثورة، على الرغم من قسوة الإجراءات القمعية والأمنية واستخدام الجيش وقوات درع الجزيرة والجيش السعودي، في مواجهة الحركة الشعبية المطالبة بإسقاط وتغيير النظام السياسي.