AL-MUBEEN

إنَّ القول بتجسيم الإله في المجتمع الإسلامي كان موجوداً حتى قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو من عقائد الجاهلية الضالة والمنحرفة والموروثة من بعض فرق اليهود، وبعد ظهورها على لسان بعض الصحابة بشكل أحاديث نبوية تصدَّى لها الإمام علي (عليه السلام)، فقد بيَّن في خطبه ورسائله وكلماته الحكيمة فيما يتعلق بالتجسيم وغيره ما لم ينقل عن أحد من الصحابة فيما يتعلق بصفاته وأسمائه وأفعاله تعالى.
وتكمن أهمية هذا البحث في كون التجسيم يتنافى مع معرفة الله تعالى وتوحيده، فلا معرفة حقيقية وتوحيد سليم مع القول بالتشبيه أو التجسيم، فقد يذهب الإنسان إلى هذا الاعتقاد فينحرف عن الصراط، فيكون بعيداً عنه.

تكفل الله سبحانه وتعالى باختيار الأئمة قادة للأمة، ولم يجعل هذا المنصب الإلهي باختيار الناس وشوراهم، إذ أكد سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم (عليه السلام) أنه هو من يختار الأئمة، فأشار إلى ذلك بقوله سبحانه ﴿إنِّي جَاعِلُكَ﴾(5)، فلا محل للظالم في أمرة الناس؛ لأن الإيمان والعدل والزهد والأمانة والصدق وغيرها من الصفات لا تتوافر فيه، فهي واجبة فيمن نُصب إماماً للأمة، وقد بايع الناس الإمام علي (عليه السلام) في غدير خم بإمرة المسلمين، فكانت البيعة الأولى لاختيار خليفة للنبي (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله تعالى، الأمر الذي لم يستسغه جملة من الناس، فطلب بعضهم أن ينزل الله سبحانه عليه العذاب الأليم إن كان هذا الأمر منه(6)، حقداً وحسداً للإمام علي أو طمعاً بالرياسة، فأقصي الإمام علي (عليه السلام) من منصبه الإلهي، فقد تشاور الناس في اليوم المشؤوم تحت سقيفة بني ساعدة، والفتنة التي يشعلها الشيطان تكاد تذهب بالإسلام وأهله، إلى أن خرج أهل الفتنة باختيار أول حاكم لهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
كان أمر التنصيب الإلهي للإمام علي (عليه السلام) يوجب عليه عدم السكوت، فاتخذ (عليه السلام) طرقاً عديدةً لتذكير الناس بحقه في الخلافة، من أهمها أقواله، وخطبه البليغة التي جُمعت في كتاب نهج البلاغة، والتي سجلت ووثقت كل الأحداث في تلك الحقبة كي لا تبقى حجة للناس، فقد بيَّن (عليه السلام) الحق من الباطل.

اشتمل هذا البحث على احدى طرق إقصاء الإمام علي (عليه السلام) عن فضائله التي مورست في كتب التاريخ والسيرة والحديث، ومن هذه الكتب صحيحي (البخاري ومسلم) من أجل إبعاده وإقصاءه عن فضائله والنيل من شخصيته (عليه السلام) ونظرا لأهمية الموضوع فقد عمد الباحث على تسليط الضوء على كيفية إقصاء الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والطرق المتبعة في ذلك، ومنها ما جاء في رواية مبايعة الإمام علي (عليه السلام) لأبي بكر وهي العينة دار البحث.

كان وما زال الإمام علي (عليه السلام) مصدر إلهامٍ للعديد من الباحثين والمفكرين، ليكتبوا عنه في ميادين العلوم المختلفة، ومن هذا المنطلق سعينا إلى تسليط الضوء على إسهامه (عليه السلام) في مجال الفكر السياسي الإسلامي بوصفه من المؤسسين لهذا الفكر منذ بواكير نشوئه، ومن رواده الذين أسهموا فيه إسهاماً عظيماً لا يعلو عليه، ولقد اتبعت المنهج الوصفي والتحليلي في هذه الدراسة، وتبعاً لذلك تم تقسيم هذه الدراسة إلى ثلاثة مباحث، جاء المبحث الأول تحت عنوان: (مفهوم الفكر السياسي الإسلامي)، وأما المبحث الثاني فكان بعنوان: (الإسهام في تأسيس النظرية السياسية الإسلامية)، والمبحث الثالث وعنوانه: (الإسهام في تنظيم إدارة الدولة الإسلامية)، ثم تلاهم الخاتمة وقائمة المصادر والمراجع.

نهج البلاغة ومنهل البراعة ومنتهى الصياغة؛ كتابٌ ملأ الدنيا وشغل الناسَ ببلاغته وأسلوبه، بخطبه وحكمه، بغزارة علمه، ومكنوناته التي تتجدد كلَّما تقادمت الأيام وأبرزت العلومُ جديدها، يجد الباحثون ضالتهم فيه بعد كتاب الله تعالى، وقد وقع اختيار البحث على جوهرة ثمينة ألا وهي (خطبة البيان) المباركة، وقدم البحث دراسة الخبر وأغراضه التي خرج إليها في الخطبة المباركة. ومن ثم الإنشاء وتقسيماته وتطبيقاته. وتلاه التقديم والتأخير وأثرهما في توجيه المعنى في الخطبة، وختم بأسلوب القصر وكيفية استعماله في الخطبة.

وُصِفَ كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنه غاية في الفصاحة والبلاغة؛ وقيل إنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومن يمعن النظر في كلامه يجده متوافرا على أساليب بلاغية أبدع فيها، ودلّت على توظيف دقيق، ألقى بظلاله على نسج الكلام، ومن ثم على دلالاته. ولهذا الوصف كان كلامه (عليه السلام) هدفا في بحثنا نتلمس فيه أحد أساليب البيان وهو فن الاستعارة؛ هذا الفن الجميل الذي يضفي على الكلام رونقا وحياة ويقود الذهن إلى تدبر الصور التي توفرها الاستعارة، وقد اخترنا خطبة الإمام علي (عليه السلام) في وصف المتقين وغيرهم نموذجا ممثلا لكلامه، وتم البحث وفق محاور حملت العنوانات الآتية: مدخل في الاستعارة، الصورة الاستعارية في حال المتقين، الصورة الاستعارية في حال غير المتقين، الصورة الاستعارية في حال الإمام علي(عليه السلام) وعترة النبي (صلى الله عليه وآله)، الصورة الاستعارية في حال الدنيا. وفيها تلمسنا طبيعة الصور الاستعارية والغرض منها.