AL-MUBEEN

يحاول هذا البحث مناقشة الحروب الداخليّة التي خاضها الإمام عليّ (عليه السلام) -بصرف النظر عن مشروعيتها الدينيّة أو السياسيّة- وأهدافها في حفظ الأمن الحياتيّ والسلم المجتمعيّ، ومدى توافقها مع هذه المفاهيم، أو أنّها تتناقض وتتقاطع معها، بحسب المقولات التاريخيّة للتراث السنيّ السائد، ولاسيما الفكر الحنبليّ المتأخر، ممثلًا بابن تيمية الذي عدّ عهد الإمام (عليه السلام) عهدًا لتصدع الألفة الإسلاميّة وتقويض الأمن والسلم المجتمعيّ، ويخلق جوًّا للفتنة والانقسام الدمويّ.

أقرَّ الإسلام منظومة مبادئ تحكم تصرفات المسلمين في مختلف جوانب الحياة، ومن بين تلك المبادئ ما يتعلق بتداول المال والتصرف به، بوصفه (أي: المال) أحد أهم المجالات التي استُخلِف فيها الإنسان في الأرض. وأمام ما نعانيه اليوم من تفاوت هائل بالثروة، وتمايز مُتعِب في البناء الاجتماعي، بسبب استشراء ظاهرة التوزيع غير العادل للمال العام حتى وصل الأمر إلى المساس بالأمن الاجتماعي، صار الإنسان يَتطلَّع إلى نظام يعيش فيه بطمأنينة وكرامة، وبدأ يبحث عن مَخرج من هذه الأزمة. يُقَدِّم هذا البحث دراسة لتجربة تاريخية تناولت موضوع توزيع العطاء بوصفه نظامًا متقدِّمًا من أنظمة الرعاية الاجتماعية التي قدَّمها الاقتصاد الإسلامي مع بداياته الأولى، ولكنَّ نظام العطاء تعرض لانتكاسات نَتج عنها أمراض اجتماعية عادة ما ترافق التمايز الطبقي جرّاء التوزيع غير العادل للثروة. وقد اعتمد البحث المنهج التاريخي الوصفي لتَسليط الضَّوء على جهود الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في تَصحيح مَسار تَوزيع العَطاء، والتَّغييرات التّي قام بِها. وهي محاولة لتَقديم هذه السِّياسَة كركيزة أساسيَّة في مُعالجة موضوع التَّفاوت الاقتصادي لأبناء المُجتَمع الواحِد، وإعادة بنائه على أساس تسوده العدالة، ومن ثَمَّ تقديم الأمة الإسلامية على أنَّها تمتلك إرثًا قياديًّا وتراثًا علميًّا يُمَكّنها مِن حلّ مشكلاتها إذا ما أعادت قراءته قراءة واعية تعيد لها ثقتها بنفسها وتَستنهض همّتها لبناء مستقبلها القائم على العدالة والنزاهة.
وقد خلص البحث إلى إنَّ:
1- قيام عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بانتهاج سياسة الأثرة في توزيع الثروة، يمثل انحرافًا عن السياسة المالية لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد أصلحه الإمام علي (عليه السلام) بالتوزيع على التسوية أسوة برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
2- إعادة هيكلة المجتمع لمعالجة الأمراض الاجتماعية التي نجمت عن سياسة الأثرة في توزيع الثروة، وفي مقدّمتها التمايز الطبقي، والشعور بالعلوية عند الأثرياء. إنَّ تَجربة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في السُّلطة القائمة على حفظ الدِّين لِصَلاح الدُّنيا، وعلى الرغم من قِصَر عمرها هي الأُنموذج الأمثل لإعادة بناء المُجتمع على المَنهج النَّبوي. وقد برهن الإمام علي (عليه السلام) في سياسته لإدارة الدولة أنَّ صلاح الرعية من صلاح ولاة أمرها.

شهدت موضوعات العدالة والتوازن الاجتماعي بين فئات المجتمع مساحةً كبيرةً في فترة حُكم الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) (23 هـ/ 40 هـ= 599 م/ 661 م) وحتّى قبل فترة الحُكم، حيث تميّزت حكومته بتحقيق مضامين الإنصاف والاستقرار والكرامة والحرية والأمان وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقّه.
ويرى القاصي والداني أنّ المجتمعَ في فترة حكومة الإمام عليّ (عليه السلام)، مجتمعٌ تسُودُه العدالةُ بشكل متساوٍ بعيدًا عن الطبقيّة والعنصريّة والانحياز والمحاباة والتفرقة، وبصرف النظر عن أجناسهم وأعراقهم، بل كان الكلُّ له حقوقه وواجباته التي كفلها له القانون في منح أفراد المجتمع الفُرصَ المتساوية في الحياة الاجتماعيّة. لذا سنتناول في بحثنا هذا -ولو بشيءٍ وجيز- دور الإمام عليٍّ (عليه السلام) وسعيه الكبير في ترصين وتجسيده لتلك المساواة والعدالة بين البشر ككُلّ دون النظر إلى اللّغة والمعتقَد والقُربى والعِرق والمذهب؛ بغية تقسيم الحقوق بين الناس ولكي تتحقّق العدالة بين البشر على أتمِّ وجه.
تميّزت حكومة الإمام عليّ (عليه السلام) بالتطبيق العمليّ الفعليّ الشامل لجوانب التوازن والإنصاف للحقوق والواجبات الرئيسيّة للمجتمع، فهو قد عالج وقدّم الحلولَ الفعليّة لقضايا الظلم والتسلُّط والهيمنة وانتهاك الحقوق والجور، منطلقًا من أُسس العدالة والتوازن والمساواة وإحقاق الحقِّ بين مُكوِّنات المجتمع من دون الميول إلى أُناسٍ دون غيرهم، فمن خلال ذلك كان هدف البحث تبيان أهمّ الركائز الرئيسيّة التي وظّفها الإمام عليّ (عليه السلام) في تحقيق التوازن والعدالة الاجتماعيّة بين الناس آنذاك، فهو خيرُ مَنْ جسّد تلك المفاهيم وجعلها بمثابة الأولويات والمنطلَقات في إدارة الدولة.
الكلمات المفتاحية: العدالة، الفكر، التوازن، الإمام علي، الطبقية.

من المفاهيم واضحة الأثر هي المشيرات، ويتضحُ أثرها عن طريق العمل على تنظيم المحادثة على وفق عددٍ من المعايير أو المقولات المحدّدة للمسافة بين طرفي الخطاب (المتكلّم والسامع) من جهة، وبين (المشار والمشار إليه) من جهة أخرى، وهي ألفاظٌ معينة، تشير إلى ألفاظ معينة لبيان معنى ما، قد يكون غامضًا على المتلقّي، وتأتي على أنواع منها: الشخصية، والزمانية، والمكانية، والخطابية، والاجتماعية، وكلها تحتاج إلى مرجع يحدّد مقصديتها، ولا يتحدَّد ذلك إلّا في سياق الخطاب التداولي، ليصل القارئ إلى إبداع المبدع؛ فتتحقّق الغاية من النص حينئذٍ، وإلّا كان لغوًا.
وسيجري في هذا البحث تحليلُ بعض كلام ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة، على وفق هذه النظرية، وبيان أثر المشيرات الشخصية حصرًا، في نصوص مختارة من تعليقاته وشرحه، لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، لبيان المعاني الغامضة والمبهمة، كي تتحقق رسالة المتكلّم وتُفهم من لدن المتلقي، وهما طرفا العمليَّة التواصلية، اللذان لابد من تواجدهما في أيّ نصٍّ لغوي.

يعالج البحث خصائص تفسير القرآن الكريم عند أمير المؤمنين (عليه السلام) ومضامين المعاني السَّامية والدلالات العميقة في شذرات تفسيره التي صدرت من نبع صافٍ، وقدرة على التبيِّن، والإيضاح، وفرادة في بثّ الأفكار والشروحات.
إنّ البحث في نتاجٍ فكريٍّ لعظيمٍ من عظماء الإنسانيّة ألا وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ فحياته ملآى بالنّتاجات: العلميّة، والفقهيّة، والرساليّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والدينيّة، وغيرها... ارتأيت أن أُسلّط الضَّوء على شذرات من فكره التفسيري للقرآن الكريم؛ علمًا أنَّه (عليه السلام) قد جمع جميع المناهج التفسيريّة في موارد تفسيره للقرآن الكريم.

إنَّ الإنسان مخلوق ذو أبعاد مختلفة، لذا لا بُدَّ من التعريف بمواصفات الشخصية السليمة؛ ولأنَّ كثيرًا من العلماء في العلوم المتنوعة لهم نزعات دينية، ولأهمية القدوة في الدِّين الإسلامي، مع وجود الشخصيات الإسلامية والسليمة التي يمكن دراسة سيرتها وكلامها والاقتداء بها، استهدف هذا البحث دراسة مواصفات الشخصية الإسلامية السليمة من منظور أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة؛ متبعًا المنهج الوصفي التحليلي. ووصلنا إلى نتائج منها أن إيجاد الشخصية السليمة السوية وتكوينها هو هدف كبير من أهداف الدِّين الإسلامي، وأنَّ للشخصية الإسلامية السليمة مزايا خاصة من الناحية العقلية والقلبية والسلوكية التي بنموها والاهتمام بها عند كل شخص يستطيع المجتمع أن يتمتع بالسمو والسير في طريق الهداية والرشد للوصول إلى الغاية المنشودة لخلق الإنسان، وأيضًا يسلم من التحديات المعاصرة كالغزو الثقافي والفكري وتيارات التغريب والماسونية والعلمانية وغيرها؛ وذلك كله إذا توجَّه إلى القيم؛ لأن كل فرد من المجتمع سيكون عضوًا إيجابيًّا فاعلًا يعمل على رقيِّه وتقدّمه.
وقد اشتمل البحث على مقدمة ومبحثين.