Iraqi Bulletin of Geology and Mining

تمثل هذه الدراسة مراجعة لجيومورفولوجية السهل الرسوبي التي اعتمدت بالأساس على المعلومات المستقاة من نتائج مشروع المسح الجيولوجي الإقليمي للسهل الرسوبي الذي تم تنفيذه خلال الفترة من 1977 إلى 1981 من قبل الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين العراقية.
السهل الرسوبي هو منطقة منخفضة واسعة لها حدود فيزيوغرافية واضحة من الجهة الشمالية والشرقية مع منطقة الطيات الواطئة ومن الجهة الغريبة مع البادية الغربية ومنطقة الجزيرة. من الناحية الجيومورفولوجية يعتبر السهل الرسوبي بشكل عام وحدة إرسابية واسعة، حيث تسود فيه الأشكال الجيومورفولوجية ذات الأصل النهري والبحيري والريحي. أما الأشكال ذات الأصل البحري ومنطقة مصبات الأنهار فهي تنحصر في أجزائه الجنوبية الشرقية. مع ذلك فإن الأشكال ذات الأصل التعروي تظهر أيضاً ولكنها محدودة الانتشار. تم تصنيف الوحدات الجيومورفولوجية بناءاً على أصل النشوء، الموضع الجيومورفولوجي والطبيعة الصخارية. حيث تشمل كل وحدة مختلف الظواهر الأرضية والتي تم وصفها نوعا ما بشكل دقيق اخذين بنظر الاعتبار أهميتها ووصفها من الناحية الجيومورفولوجية. وتتمثل الوحدات ذات الطبيعة الإرسابية النهرية بـالوحدات التالية: المسطبات النهرية، المراوح الغرينية، سهل السيول الصفائحية، السهول الفيضية للأنهار الرئيسية وتفرعاتها، المنخفضات الضحلة، الأهوار والبحيرات، السباخ والمسطحات المدية هي الشكل الوحيد ذات الأصل البحري ألإرسابي. أما الأشكال ذات الأصل الريحي هي: النبخة الصفائح والكثبان الرملية، إضافةً إلى ذلك الأشكال التي لها علاقة بالنشاط البشري. أما الظواهر التعروية فهي: الجروف الحادة، حافات المساطب الفيضية والأراضي المحززة التي تكونت بفعل التعرية الجانبية والعمودية لمجاري الأنهار والجداول، النحت الريحي، الأخوار والقنوات المدّية الناتجة عن فعل الأمواج البحرية.

تمت مناقشة الوضع الجيولوجي للسهل الرسوبي قي وسط وجنوب العراق وهو جزء من حوض مابين النهرين ضمن الهيئة التكتونية للعراق، وتمت إعادة تعريفه وفق المفاهيم الحديثة للأحواض الأمامية، واقترحت حدود تركيبية جديدة له. إن السهل الرسوبي هو حوض كبير مستمر بالهبوط ومغطى بكامله بترسبات العصر الرباعي السميكة لنهري دجلة والفرات وروافدهما وكذلك تفرعاتهما. أستلم هذا الحوض ترسبات ما قبل العصر الرباعي من بقية اجزاء حوض مابين النهرين وحزام زاكروس الجبلي، من الشمال والشمال الشرقي والشرق، وكذلك من الجزء الداخلي المستقر من المسطبة العربية، من الغرب والجنوب.إن السهل الرسوبي هو حوض قاري تشكل على جزء من أحواض المسطبة والحافة السابقتين. ويمكن تقسيم التتابع التكتوني-الطباقي فيه إلى ثلاثة مجاميع رئيسية هي: مجموعة داخل الصفيحة من عمر الكامبيري – البيرمي المبكر، مجموعة الحافة الخاملة لمحيط التيثس الحديث من عمر البيرمي المتأخر – الطباشيري الأوسط ومجموعة الحوض الأمامي من عمر الطباشيري المتأخر – الحاضر.
ان حوض السهل الرسوبي هو نطاق بنيوي متحرك ويضم العديد من الطيات والصدوع والاندساسات الملحية. كما ان للعديد من هذه التراكيب تأثيرات على رواسب العصر الرباعي والأشكال السطحية الحالية، مثل مجاري الانهار المتروكة، المراوح الفيضية النشطة والخامدة، والاشكال الطوبوغرافية لبعض الطيات تحت السطحية، جميعها دلائل على وجود حركات بنيوية حديثة في هذا الحوض.

الدراسة الحالية هي مراجعة لطباقية السهل الرسوبي النهري التي اعتمدت بالأساس على البيانات التي تم الحصول عليها من خلال المسح الجيولوجي الإقليمي المنفذ من قبل ملاكات الشركة العامة للمسح الجيولوجي والتعدين (جيوسيرف) خلال الفترة من 1977 لغاية 1981. نشأ حوض السهل الرسوبي النهري نتيجة لآخر طور من حركة الألباين البانية للجبال (سلسلة زاكروس) خلال نهاية عصر البلايوسين لغاية البلايستوسين المبكر. يمثل هذا الحوض نطاق الهبوط المستمر الذي يحدد بنطاق الطيات الواطئة الصاعد، من الجهة الشرقية والشمالية الشرقية والحافة الشرقية للدرع المستقر من المسطبة العربية، من جهة الغرب والجنوب الغربي. في الوقت الحالي، يغطى الحوض بالكامل بترسبات العصر الرباعي والتي تحاط بتكوينات العصر الثلاثي المتكشفة على أطراف الأنطقة المجاورة، التي تمتد باتجاه الحوض تحت عمود سميك من ترسبات العصر الرباعي.
معظم طباقية رسوبيات العصر الرباعي لم يتم تحديد أعمارها بشكل دقيق لعدم توفر تقنية تحديد العمر الدقيق، في جيوسيرف. مع هذا فان الأعمال النسبية للتقسيمات الطباقية الأساسية تم اقتراحها اعتماداً على الموضع الجيومورفولوجي، نوع الرسوبيات ومضاهاتها الطباقية مع الأحداث الجيولوجية الأرضية، كالتغيرات المناخية خلال العصر الرباعي. وهذه التقسيمات الطباقية الرئيسية هي: البلايستوسين، البلايستوسين المتأخر – الهولوسين المبكر والهولوسين.
تتمثل ترسبات عصر البلايستوسين الأساسية بالمساطب النهرية والمراوح الغرينية والترسبات النهرية قديمة لحوض السهل الرسوبي. أما ترسبات البلايستوسين المتأخر – الهولوسين المبكر تتمثل بصفائح السيول الجارية والجبكريت (الجبس الثانوي) وترسبات المنحدرات. بينما ترسبات الهولوسين تتمثل برسوبيات بيئات مختلفة الأصول: النهرية والبحيرية والبحرية ومناطق مصبات الأنهار، والريحية وأخرى ناتجة عن فعل الإنسان. كما إن هذه الرسوبيات موجودة في البيئات الرسوبية الحديثة والفعالة حالياً في السهل الرسوبي.
إن وجود ترسبات الهولوسين البحرية (تكوين الحمّار) في الجزء الجنوبي من حوض السهل الرسوبي يشير إلى تأثير الطغيان البحري الذي حدث خلال الهولوسين المبكر – المتوسط. وهذا التقدم البحري وصل الى حد مدينة العمارة، من الجانب الشرقي ومدينة الناصرية، من الجانب الغربي، أي وصل الى حوالي 200 كيلومتر باتجاه شمال الساحل الشمالي للخليج العربي الحالي.

يمتاز السهل الرسوبي بكونه سهل منبسط ينحدر تدريجياً بين بغداد والبصرة ويكون متموجا بعض الشيء في أجزائه الشمالية. يغطى السهل الرسوبي كلياً بترسبات العصر الرباعي، وتتكون هذه الترسبات بصورة عامة من تتابع الطين والغرين والرمل والحصى. إن الترسبات الناعمة تشكل الطبقات العازلة بينما يشكل الحصى والرمل الخزانات الجوفية للمياه. تمتاز ترسبات السهل الرسوبي بالتغير المفاجئ لخواصها الصخارية أفقياً وعمودياً، حيث تشكل نظاما إقليمياً معقداً للمياه السطحية والمياه الجوفية ضمن مناطق السهل الرسوبي، إذ تظهر ظاهرة التغذية والتصريف على طول مجاري الانهار والقنوات الاروائية الرئيسية، بالإضافة الى وجود إتصال هيدروليكي بين الخزانات المائية للسهل الرسوبي وخزانات المياه للتكوينات الأقدم منها. يعتمد التغير في مستوى المياه الجوفية ضمن مناطق السهل الرسوبي بصورة رئيسية على الظروف الطبيعية، وبعض الشيء على الظروف الاصطناعية.
تعتبر الترسبات الحاملة للمياه الجوفية في منطقة السهل الرسوبي بصورة عامة واعدة من ناحية الكمية، ولكن المشكلة تكمن في نوعيتها، حيث تعتبر المياه الجوفية في السهل الرسوبي، بصورة عامة عالية الملوحة، لكن يمكن الحصول على مياه قليلة الملوحة أو ملائمة لبعض الاستخدامات المختلفة ضمن المناطق المحاذية لمجاري الأنهار والقنوات الإروائية، حيثما تكون هنالك تغذية للمياه الجوفية من تلك المصادر العذبة، وكذلك على امتداد نطاق أقدام التلال، حيث مناطق التغذية.
إن حركة المياه الجوفية يكون باتجاه السهل الرسوبي ومن جميع المناطق المجاورة له، حيث يعتبر منطقة تصريف للمناطق المحيطة به. ينخفض مستوى المياه الجوفية بصورة عامة من الشمال والشمال الغربي باتجاه الجنوب والجنوب الشرقي، وتزداد ملوحة المياه بصورة عامة من مناطق التغذية باتجاه مناطق التصريف تبعاً لحركة المياه الجوفية، كذلك الحال بالنسبة لنوعية المياه حيث تتغير من النوعية الكبريتاتية الى النوعية الكلوريدية وبنفس الاتجاه السائد لحركة المياه الجوفية.

السهل الرسوبي يمثل ما يقارب 25% من المساحة الكلية للعراق، ويعتبر جزء من الدرع العربي الذي يقسم إلى جزئين: الرصيف المستقر والرصيف غير المستقر، ويقع السهل الرسوبي ضمن الجزء غير المستقر. طبيعة الأرض في السهل منبسطة، تمتد من منطقة بيجي في الشمال الغربي إلى الخليج العربي في الجنوب الشرقي. الترسبات الموجودة في هذا السهل من أصول متعددة، نهرية وبحيرية ودلتاوية وريحية وتبخيرية، وان كل نوع من هذه الترسبات تتداخل أو تحل محل بعضها أفقياً وعامودياً. للرسوبيات الحمولة في انهار دجلة والفرات وديالى والعظيم دور كبير في تغذية السهل الرسوبي بالترسبات. تعود التمعدنات والترسبات الاقتصادية في السهل الرسوبي إلى وحدات الرصيف غير المستقر، ومعظم الترسبات المسجلة فيه تعود إلى العصر الرباعي الذي يزيد سمك رسوبياته عن 180 متر.
أهم الترسبات الاقتصادية في السهل الرسوبي هي الحصى والرمل والأطيان والمتبخرات التي تتمثل بالممالح السطحية والجبكريت، والكثبان الرملية والخث (Peat). الترسبات الحصوية المهمة هي عبارة عن شرفات نهرية ومراوح فيضية تعود إلى عصر البلايستوسين، وتعتبر مروحة فتحة الفيضية والمكونة من نهر دجلة من أكبر هذه الترسبات، حيث تغطي مناطق تكريت – سامراء – فلوجة، وتعتبر المصدر الرئيسي الذي يغذي المنطقة الوسطى من العراق. تختلف نسبة الحصى والرمل ومكوناتها المعدنية حسب المصدر والمسافة التي انتقلت منها، ويعتبر مواقع النباعي وجويبدة وجلات من أهم الأمثلة على مثل هذه الترسبات. تقع اكبر الترسبات الرملية ضمن السهل الرسوبي في صفوان، وهي عبارة عن مراوح فيضية ترسبت في عصر البلايستوسين.
تتكون الأطيان الحديثة من ترسبات نهرية وبحيرية وتنتشر بشكل واسع في الجزء الجنوبي والأوسط من السهل الرسوبي، وتصنف حسب استعمالها الصناعي إلى مجموعتين رئيسيتين: الأولى في صناعة الطابوق والثانية في صناعة السمنت. وترسبات موقع النهروان أفضل مثال عن أطيان الطابوق وترسبات السماوة مثال على الأطيان الصالحة لصناعة السمنت.
تتمثل المتبخرات من الأصل القاري بالمنخفضات الملحية والجبكريت، وتتكون الأولى من تبخر المياه المالحة الصاعدة من الينابيع أو المناطق المحيطة بالمنخفضات مخلفة قشرة ملحية، وتعتبر مملحة السماوة أفضل مثال لملح الهالايت، وتشكل المصدر الرئيسي لإنتاج ملح الطعام في العراق، وكذلك مملحة الشاري في إنتاج كبريتات الصوديوم والغلوبيرايت والهالايت. هناك ممالح صغيرة تنتشر في المنطقة الوسطى من السهل الرسوبي تغطي الاحتياجات المحلية من الملح. يتكون الجبكريت من تبخر مياه سلفاتية صاعدة بالخاصية الشعرية، مكونةً أنسجة أبرية يشوبها رمال وأطيان، وتستعمل كمادة رابطة في البناء.
تنتشر الكثبان الرملية في ثلاثة أنطقة ضمن السهل الرسوبي، واستخداماتها محدودة، فهي تنتشر في الجزء الشمالي والشرقي من السهل على امتداد بيجي، طيب، عمارة، والجزء الأوسط مابين نهري دجلة والفرات، وفي الجنوب على امتداد نجف – سماوة – ناصرية. ترسبات الخث مسجلة في عدد من المناطق ويمكن الاستفادة منها في تخصيب التربة.