Contemporary Islamic Studies Magazine

إن من واجبات أهل العلم في هذا العصر إعادة روح التكامل المنهجي بين العلوم الشرعية ,انموذجة في ذلك وحدة الوحي ومحورية القران الكريم ,وتفتق العلوم والمعارف الإسلامية عنه خادمة له فهما" وبيانا".
فتقديم المعرفة في نمط وظيفي على صورة مفاهيم متدرجة ومترابطة تغطي الموضوعات المختلفة دون أن يكون هناك تجزئة أو تقسـيم للمعرفة إلـى ميادين مفصـلة يفيد في إبراز وحدة العلم بشكل عام والعلوم الشرعية على وجه الخصوص,وهذا يتمثل بمبادرة وزارة التعليم العالي الموقرة في توحيد المناهـج وتطويرها التي تقف حائلا" أمام محاولة تفكيكية العـلوم وطمس بعض حقائقهـا للوصول إلى التكاملية المنشـودة في العــلوم الشـرعية لإعـادة وحدتهـا وحيوتهـا وشموليتها, وهي بحق تمثل قضية امة إسـلامية عريقة في تاريخها وأمجادها.
ومن خلال تدريسي لمادة علوم القران وجدت وحدة العنوانات متوفرة في مفردات المناهج ولكن بعض وجهات النظر التي قد تمثل نظريات مهمة لبعض علماء علوم القران مختلفة فيما بينها ومنها ما لا يؤثر على عقيدة المسلم جهلها أم عرفها وأخرى قد تؤدي إلى فساد عقيدي له وأيضا" هناك من علوم القران ما هي ليست منه إطلاقا" بل هي خادمة له ومن اجل هذا ينبغي رفعها من علوم القران لتكون ضمن تاريخ القران كأسباب النزول وعلم القراءات
ومن المسائل التي تحمل في مفاصلها لا في عنوانها العام بعض الأمور التي تنال من شخص الرسول وعظمته مسألة فتور الوحي عن النبي () بعد لقائه الأول في غار حراء مع النبي() إذ تصور الرواية التي يرويها البخاري في صحيحه(1) وكذلك صحيح مسلم(2) إن النبي() غير موقن لحقيقة الوحي وحقيقية الرسالة التي كلف بإبلاغها إلى الناس فيعمد إلى محاولة الانتحار وقتل نفسه لولا أن مسكه الناس وكأنه ليس معصوما" عن الخطأ قبل البعثة وبعدها كما هو المعتقد عند كثير من المسلمين والرواية نصها : عن ابن عباس إن رسول الله() لما نزل عليه الوحي بحراء مكث أياما" لا يرى جبرائيل , فحزن حزنا" شديدا" حتى كان يغدو إلى ثبير مرة والى حِراء مرة يريد أن يلقي نفسه منها ...) إلى آخر الرواية التي ينقلها الدكتور غانم قدوري في محاضراته(3) .
والحقيقة إن مثل هذه الرواية فيها ما فيها من هنات وينبغي على مثل أستاذنا قدوري أن لا ينقلها في كتابه خوفا" على تسميم أفكار طلبتنا الإعزاء لما فيها من طعن في عصمة وشخصية النبي الأعظم(). ولابد لمثل هذه الروايات وأمثالها أن تحذف أو تعالج بالمناقشة والترجيح من جميع كتب علوم القران لكي تصب في بوتقة واحدة ضمن مشروع توحيد المناهج.
وعليه فان المشكلة التي يروم الباحث تسليط الضوء عليها ووضع الحلول الناجعة لها هي: الإخفاقات الناتجة عن الفهم الخاطئ للنصوص القرآنية التي يمثل جانبا كبيرا منها علوم القران الكريم.
وتهدف هذه الدراسة الى توجيه طلبة العلم نحو فهم صحيح وموحد لعلوم القران الكريم بعيدا عن الاوهام والاخطاء التي انتجتها الميول الشخصية والتعصب المذهبي..وغيرها ,وما لها من تاثير واضح وخطورة عميقة على الثوابت الاسلامية لدى المسلمين بشكل عام وطلبتنا الاعزاء على وجه الخصوص.
ومن اجل ذلك كله وقع اختياري على هذا البحث الموسوم بـ (المنظومة المعرفية لعلوم القران) لعله يكون اسهامة فاعلة في المبادرة التي دعت اليها وزارة التعليم العالي الموقرة في توحيد المناهج وتطويرها , فولد من هذا ثلاثة مباحث , عنى المبحث الأول ببيان الضوابط التي يمكن ان تكون مقياسا لدخول أي علم في علوم القرآن او عدم دخوله, فيما ابان المبحث الثاني مسائل مهمة حول الناسخ والمنسوخ قد يؤدي عدم الالتفات اليها الى القول بتحريف القرآن العظيم وجاء المبحث الثالث ببيان بعض المحاذير المتعلقة بأسباب النزول والقراءات القرآنية التي قد تؤدي بالنتيجة الى الإضرار بالمنظومة الفكرية لطلبتنا الأعزاء , ثم جاءت الخاتمة فاهم النتائج.

من أجلّ النعم التي أنعم الله عز وجل بها علينا أن بعث لنا محمد () نبياً ورسولاً ((وما أرسلناك إلا كافة للناس))(1) ، وأختار لنا أكمل الشرائع، وأتم علينا النعم بإمامة المعصومين ()، ورضي لنا الإسلام ديناً، ختم به سائر الشرائع السماوية، ولم يكن ذلك ليكون لولا أن هذه الأمة أفضل الأمم وأزكاها، وأعدلها وأوسطها وهي بذلك خير الأمم حسناً وفضلاً، اعتدالاً وقصداً، تصوراً واعتقاداً، تفكيراً وشعوراً تنظيماً وتنسيقاً، تلك الوسطية التي أفرزت معنى العدالة التي كفلت لهذه الأمة أن تكون شهيدة على الناس يوم القيامة.
((ومن لوازم الخاتمية أن لا تختص بزمان معين ولا بطبقة معينة، وإنما شمولها لجميع أحوال الإنسان فلأنها لم تترك جانباً من جوانب حياته إلا وأستوعبته كمال الاستيعاب)) (2).
فأشبعت بذلك معتقدات الإنسان في الجوانب الفكرية، وراعت فطرته المنطوية على رغبته الماسة في الاعتقاد والتدين، وأحاطت بحاجاته الضرورية في جانبه العملي، فلم تدع حكماً في أي حقل من حقول الحياة من غير بيان وكشف.
((ومن أعظم ما أختص به الاجتهاد، مسايرته لروح العصر وتفاعله المستمر مع النوازل والمستجدات، واستمرار تدفق العقل الإنساني من خلال قراءة النص الشرعي مرة بعد أخرى للوصول إلى معرفة حكم الله في المستجدات)) (3).
وأمتاز الإمامية عن غيرهم من الطوائف الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى بدور بارز للمجتهدين في المجالات كافة، وكانت للفتاوى الصادرة من قبلهم الأثر البالغ بربط جمهور الأمة بمراجعها،((ومن هنا بدأ ينفرز خطان في المرجعية ومواقعها بنظر الأمة خط يمثل الجانب التقليدي في المرجعية، ونلاحظ أن جل اهتماماتها ما يخص الفتاوى في جانب العبادات والمعاملات التي تخص الفرد والشخص، وهناك خط آخر للمرجعية تجاوز هذا الأمر، ليدخل الفقه السياسي كعنصر جديد في عملية الاجتهاد وما يرافق ذلك من تداعيات على الواقع الاجتماعي)) (4).
لقد أكسب التقليد الشيعة الإمامية تنظيماً متميزاً بين الطوائف، مما عاد عليهم بثمار مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر (ثورة التنباك) (والثورة الإسلامية في إيران في عام 1979م)، ويرى الباحث إنّ سر قوة الفقه الإمامي تكمن في موضوعة التقليد والذي من خلاله أنتشرت الثروة الفقهية بين عامة المكلفين، الأمر الذي دعا المفكر الإسلامي العراقي الدكتور أحمد الكبيسي إلى اعتماد مرجعية سنية في العراق على غرار المرجعية الشيعية فيه (5)، وهذه الدعوة تدل بوضوح على أهمية التقليد وتأثيره في المجالات الحياتية كافة سواء الاقتصادية منها أو السياسية أو الاجتماعية، وقد بدا ذلك واضحاً عند فقهاء الإمامية المعاصرين، بسبب تبني الفقه الأمامي أطروحة استمرارية فتح باب الاجتهاد خلافاً لغيره من المذاهب الإسلامية الأخرى، وسنوضح في هذا المبحث بعضاً من هذه الآثار وتأثيرها على حياة المكلفين.

أصبح من المهم وجود خطاب اسلامي في الوقت الراهن بما يتلائم مع خصوصية المجتمع العراقي وان ممارسة الخطاب الاسلامي لاتكون قاصرة على اجهزة اعلامية متخصصة وانما كل اعلام الدول الاسلامية يجب ان يكون خطابآ اسلاميآ يحمل التراث الديني ويعبر عنه بأسلوب جذاب ويستمد محتواه من الاسلام وشريعته السمحاء ومن القرأن الكريم
أن خطابنا الاسلامي الذي تبثه القنوات الفضائية الدينية يحتاج المزيد من الارتقاء والتطوير بما يتلائم مع خصوصية المجتمع لذلك فقد جاءت الدراسة لتسلط الضوء على اساليب تطوير هذا الخطاب المهم من وجهة نظرالاساتذة الجامعيين ، وبأستخدام المنهج الوصفي التحليلي بأعتباره أكفأ المناهج لتلبية أجراءات البحث
توصلت الدراسة الى مجموعة من النتائج كان أبرزها :-
- ان اهم ضوابط تطوير الخطاب الاسلامي حسب رأ ي المبحوثين هو ( أنطلاق التطوير من القرأن الكريم والسنة النبوية ثم أجتهاد العلماء والمفكرين فيما بعد ) وذلك بنسبة 38،75%
- ان ابرز اوجه القصور التي يعاني منها الخطاب الاسلامي حسب وجهة نظر المبحوثين هو ( عدم ابراز كل الامور الدينية ولشتى العقائد والمذاهب السائدة في المجتمع) وبنسبة 37،5%
- ان الاسلوب الذي يمكن استخدامه في الخطاب الاسلامي والأكثر أقناعآ للجمهور حسب رأي المبحوثين هو الاسلوب التوجيهي وبنسبة 25% ، ثم الاسلوب الارشادي بنسبة 23،75%
-. اكدت النتائج على ان (الأبتعاد عن الخطاب الطائفي المتطرف ) جاءت بالترتيب الاول من بين المضامين الساعية لتطوير الخطاب الاسلامي وبنسبة35% ، يليها بفارق قليل (التأكيد على الجانب الاخلاقي المتعلق بالنبي (ص) وأهل بيته ) بنسبة33،75%
- أظهرت النتائج بأن أهم الاجراءات الخاصة بتطوير البرامج الدينية من وجهة نظر المبحوثين هي :-
- أعتماد كوادر من ذوي الاختصاص لاسيما فيما يخص الجوانب الفنية الدقيقة جاءت نسبتها 36،25%

هذا البحث الموسوم بـ ( ابن الأبار الخولاني ( ت433هـ) حياته وشعره ) هو البحث الثاني من مجموعة بحوث أنجزناها في أواخر سنة 2011م ، ونقدّمها للترقية العلمية إلى مرتبة الأستاذيّة ، وقد بذلنا فيه جهداً كبيراً ، ونحن نفتّش عن شعره في المظان المختلفة ، وتوثيق نسبتها إلى الشاعر، فقدمناها مرتبة على حروف الهجاء العربية ، مجموعة في مقصد مستقل ، فكان نتاج ذلك الجمع اثنين وثلاثين نصّاً شعريّاً ، ولعلّ قيمة شعر ابن الأبّار تأتي من مقدرته الفنية على صياغة الشعر الجميل والمؤثر ، فوصف الطبيعة ، وهام في أحضانها ، مثلما أبدع في المدح ، والاخوانيات ، مما ارتقى به إلى مصاف الشعراء المتقدمين ، وقد ضاع كثير من شعره ، شأنه في ذلك شان كثير من الشعراء أمثاله ، بفعل عوامل متعددة ، في مقدمتها ما ألمّ بالأندلس - في مرحلة متقدمة- من نهب ودمار وضياع للآثار ، بفعل انهيار الممالك العربية ، وزحف الإسبان على بلاد الأندلس ، لتعود من جديد في أيدي الأوربيين ، فضلاً عن عوامل أخرى أسهمت في ضياع شعره .
وقد ارتأينا أن نقدّم الدراسة على النصوص الشعرية ، لما فيها من إشارات عن أبرز المصادر التي استعنّا بها في الجمع ، والمصادر المهمة التي عنت بإيراد شعر الشاعر ، ودرسنا شعر الشاعر بحسب موضوعاته ، وما اشتمل عليه من ظواهر فنيّة ميّزته .

يرمي هذا البحث إلى دراسة أبنية المصادر المجردة في خطبة السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين() من جانبين : الأول جانب بناء تلك المصادر وطريقة صوغها , والأصول التي اشتقت منها , والآخر: المعاني الصرفية والدلالات التي خرجت إليها تلك الأبنية , إذ لم تعبر بها عن معنى المصدر في الدلالة على الحدث المجرد من الزمن فقط بل أضفت عليها معانٍ أُخر وجدتها مستعملة في كلام العرب الفصحاء الأوائل واستعمالاتهم , إذ عمدت إلى دراستها في ضوء ما ورد منها في القرآن الكريم أو في لغة العرب, فاعتمدت على مصادر اللغة العربية القديمة والمعجمات والتفاسير فبينت أثر تلك المعاني والدلالات في سياق كلام السيدة فاطمة بنت الإمام الحسين() , وأوضحت ما غمض منه.

الحمد لله ربّ العالمين ، وأفضل الصلاة والسّلام على من أوتي جوامع الكلم المبعوث رحمة للأنام ، وعلى آلهالطيّبين الأطهار ، وأصحابه الأبرار الأخيار .
حسب القران عظمة وكفاه منزلة وفخراً أنه كلام اللّه العظيم، ومعجزة نبيّه الكريم، وقد تبوأ مكانة عظيمة في نفوس المسلمين ، يستلهمون هدايته ، ويستوحون إشارته. نصبه الله مناراً للإعجاز في شتى عوالمه التشريعية والبلاغية والأسلوبية وسواها,فلا غرابة إن يولى هذا المنبع الثّر أهمية خاصة ، فهو الرافد الذي واكب حياة الأجيال ، وهو الشعاع الذي رافق مسيرة الحضارة . وما زالت النفوس تتوق إلى التزوّد من هذا الفيض الّذي لا تدرك أسراره ولا يعلم خفاياه وبواطن أموره سواه تبارك وتعالى ,لما يملكمن أسلوب معجز وروعة نظم , ورقة وقوة للموسيقى التي تتهادى بأنغامها فتجلب نحوها الأذهان وتشرب إليها القلوب وترتعش منهاالفرائضكيف لا وهي تسمع كلمات انزلها تبارك وتعالى لتكون دستورا منظما لحياة يدخلها الفرد ليخرج وهو حامل كتابه الذي يحوي مقدار التقارب أو التباعد من هذا الدستور الإلهيليجازي على عمله الدنيوي بجنة عرضها السماء والأرضأو نار تكاد تميز من الغيظ .
من هنا كان التوجه لدراسة إحدى الظواهر القرآنية البارزة ونقصد بها ظاهرة (التشخيص) ,والتي حاول الباحثان من خلال هذه الدراسة رصد مواضعها مع بيان الجانب البلاغي فيها والجانب التفسيري القريب من موضوعها .بالإضافة إلى ذلك نود الإشارةإلىأن الباحثان ابتعدا عن الخوض في مسألة الخلاف الحاصل في تجسيم الذات الإلهية لرغبتهما في الابتعاد عن كل ما تتضارب فيه الآراء وتتشابك به المذاهب .
وتبعا لمقتضيات الموضوع فقد ضم البحث تمهيدا وثلاثة مباحث ،اهتم التمهيد بدراسة التشخيص في اللغة والاصطلاح ,وأشتمل المبحث الأول على فقرتين الأولى تحدث الباحثان من خلالها عن التشخيص المكاني وجاءت الثانية لدراسة بعض المحسوسات المشخصة والواردة في كتابه الكريم واتى المبحث الثاني على دراسة المعنويات المشخصة واحتوى هذا المبحث على فقرتين أيضا الأولى اهتمت بدراسة التشخيص الزماني في حين درسنا من خلال الثانية تشخيص بعض المعنويات الأخرىالواردة في القرآن الكريم ,في حين اهتم المبحث الثالث بدراسة حوار بعض المحسوسات الواردة .ثم شفعنا البحث بخاتمة بينا فيها أهم نتائج البحث فقائمة بالمصادر والمراجع .

مـن المـعلوم أن اللغة العـربية تنظيم ،وهذا التنظيم وظيفي يتوسـله الإنسـان للتعبير عـن أغـراضه،والـتوكيد واحــد مـن الأســاليب اللغــوية التي يعتـمـدهـا المـتكلم فـي عـمـلية تواصله مع الآخرين.
وهذا البحث محـاولة متواضعة لدراسـة الـدلالة المقاميّة لأنـواع التـوكيد في القـرآن الكريم ، الذي يمثل المستوى الأعلـى والأسـمى في الخطاب اللغوي.ويشـتمل بحثنا هذا علـى مـقدمة،وثلاثة مباحـث، وخـاتمـة . تطـرقتُ فـي المـبحث الأول إلى تعريف الـدلالة المقاميّة، واهتم المبحث الثاني بالتوكيد ودوافعه الأسـاسية ،أمـا المبحث الثالث فـركز على بيان الدلالة المقاميّة لأنواع التوكيد في القرآن الكريم.

إنّ البحث الدقيق في آي القرآن الكريم يُوافق ما أمر الله به عباده في تدبّر آياته ،وإمعان النظر فيها ، قال تعالى : أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]( ).
ولما كنتُ مولَعًا بالقرآن الكريم ـ شأن غيري من مُحبِّي لغة التنزيل المعجز ـ فقد أخذت في المُضيّ في التبصّر بآي كتاب الله المحكم.ومما وجدته جديدًا ـ بحسب ما اطلعت عليه من مؤلفات السابقـين ـ وهو القول في الآية (25) الخامسة والعشرين من سورة يوسف () ،في بعض أمورٍ لم يتنبه إليها المفسرون ،والباحثون في علوم القرآن الكريم ، الذين تعرّضوا للسورة المباركة . فعمدت إلى درسها ،وتحليل تراكيبها ،مما يوصل إلى نتائج ربما لم يلتفت إلى قسم منها من سبقني في بحثها.وذلك بمراعاتي الجوانب الآتية :
1ـ الجانب النفسي لأبطال الحدث (القصة) .
2ـ الترابط بين الألفاظ ،وأحوال من أُسندت إليهم الصفات والأفعال ،ودقة تعبيرها عمّا جرى من أحداث .
3ـ لقد رسمت الآية المباركة ـ مثل بقية الآيات ـ لوحات فنية رائعة ،يمكن لأي فنّان تشكيلها ،وقدّمت صورًا متحركة ،وأحداثًا نامية جعلت المُتلقي كأنه يبصرها،ويتفاعل معها، فيعيشها واقعًا ،أنْ لم نقل مشاهد على خشبة المسرح .
توزّع البحث ـ بعد هذه المقدمة ـ على ثلاثة مباحث ،عرض الأوّل لغة ألفاظ الآية الكريمة ودلالاتها ، مستعينًا بالمعجمات ،وبالمؤلفات التي لها علاقة باللفظة القرآنية .
أمّا المبحث الثاني : فقد عرض للمعنى العام للآية المباركة ،وإعرابها .
وقدّم المبحث الثالث فوائد تبيّناها من خلال البحث في دلالات الآية الكريمة ،وهي نتائج البحث ،وقد تنوّعت بين دلالات المفردات ،وحسن اختيارها ،وبصيغها دون غيرها .
ثم جاء ثبت المراجع والمصادر ،وقد أثبتنا ما نقلناه منها ، اعترافًا منا بحق السابقين بما تقضي به الأمانة العلمية . ونرى أننا قد زدنا على ما ذهب إليه من تقدمونا بما فتح الله به علينا من نوره وهداه ،وبما وفقنا إليه من تسديده ، جعله سبحانه في خدمة لعشاق العربية ـ لغة كتاب الله المعجز ـ .

قرأت في كتاب: (محاولة في أصل اللغات) لـ: (جان جاك روسّو) نصاً يقول فيه : " لقد كانت اللغة المجازية هي أول ما تولد ، أما الدلالة الحقيقية فكانت آخر ما اهتُدي إليه . فإن الأشياء لم تُسمّ باسمها الحقيقي إلا عندما تمت رؤيتها في شكلها الحقيقي "( ) . ما جعلني أقرن بينه وبين رأي مشابه لـ (ابن جني) في (الخصائص) يقول فيه:" اعلم أن أكثر اللغة مع تأمله حقيقة لا مجاز . وذلك عامة الأفعال ، نحو قام زيد ... وجاء الصيف وانهزم الشتاء...ألا ترى أن الفعل يفاد منه معنى الجنسية ، فقولك : قام زيد ، معناه : كان منه القيام أي هذا الجنس من الفعل ، ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام..."( ). هذه المشابهة رسخت فيّ فكرة هذا البحث في الموازنة والمقاربة بين آرائهما في أصل اللغة بعيداً عن( الحقيقة والمجاز).
لقد ذهب بعض الباحثين إلى أنّ البحث في أصل اللغة كانت نتيجته دائما سلبية ؛ إذ لم يهتدوا ـ قدماء ومحدثين ـ في كل ما بذلوه من جهد بحث وافتراض فروض إلى رأي يطمئنون إليه بدءاً من فلاسفة اليونان والمتكلمين ، مروراً بعلماء العصور الوسطى وما بعدها ، حتى إذا دخل القرن العشرون انصرفوا عن هذا النوع من البحث وعدّوه من مسائل ما وراء الطبيعة( ) . ويرى بعض المحدثين أنّ البحث في أصل اللغة وإنْ كان من مسائل علم اللغة فإنّ الذين يكتبون فيه يهيمون في تَيْهٍ من الضلال( )، وإنه في حكم الغامض المجهول( ) . وقد قال علماء الأصول العرب عن هذه القضية:"ذكرها في الأصول فضول"( ). .
ولعل السبب في ذلك يرجع إلى " أنّ المشكلة الحقيقية في هذا الموضوع هي المرحلة الواقعة بين توليد الكلمات وابتكارها بدافع الحاجة وبين صيرورة هذه الكلمات عرفية تقليدية"( ) ، ومن ثَم فإنّ هذه المرحلة مازالت تنتظر كثيراً من التفسير والتوضيح( )، ما دفع بباحثين آخرين إلى القول بأنّ التوقف عن البحث في أصل اللغة إلغاء للتأريخ( ) ، ولا بُدَّ من الاستمرار ريثما يقدم لنا العلم نظرية جازمة في أصل النشأة ذلك أنّ أصل اللغة يرجعنا إلى أصل نشأة الإنسان التي تقترن بها نشأة اللغة ، وإما أنْ نتقبل مقولة غير مقولة العلم متخلّين بذلك عن لباس العلم( ).
و(جان جاك روسّو) ـ أحد مظنتي البحث ـ من دعاة هذا الرأي ، يقول:"وإني لمقـــدم هنا على
استطراد طويل في موضوع قد أكل عليه الدهر وشرب حتى صار (مبتذلا). ومع ذلك فلا بدّ من الرجوع إليه دائماً حتى نقف على أصل المؤسسات الإنسانية"( ) .
وهذا البحث يوازن بين آراء لـ (روسّو) في أصل اللغة ضمّنها في كتاب سمّاه:(محاولة في أصل اللغات) ، وبين آراء عالم العربية الفذ: )ابن جني) التي جاءت في موسوعته :(الخصائص) ، حيث يقترب في بعضها منه ويبتعد في أخرى ، يعرضها الباحث على وفق ما تمليه هكذا دراسة في بيان المتشابه منها والمختلف ، وأحيانا مناقشتها ، أو بيان الراجح منها اعتمادا على كتب أخرى ـ قديمة وحديثة ـ أو اجتهاداً منه وهذه هي سنن البحث الأكاديمي.
ومع محاولة الباحث في الاختصار والتشذيب إلا أنّ الاضطرار دفعه إلى ذكر بعض تفاصيل قد ألِفها المتخصصون كذكر أشهر نظريات نشأة اللغة ، وما كان هذا إلا توضيحاً لأراء هذين العلََميْن وموازنتها بها. وفي نهاية البحث مستخلَص لنتائجه ، ثم جريدة بالمصادر والمراجع.

هذا بحث تطبيقي في الدلالة السياقية لآيٍ من القرآن الكريم، ناقش سياق الحال، والسياق الاجتماعي، وعلاقة السياق بالمقام، ومناسبة اللفظة للسياق في آيٍ متفرقة من كتاب الله المجيد القرآن الكريم، بحثنا فيه أهمية الدلالة السياقية في تفسير تلك الآيات، وبيان معناها، وقد وقف الباحث عند دلالات تراكيب معينة، نحو قوله تعالى {رَسُولٌ أَمِينٌ} ، وقوله عز وجل: { رَسُولٌ كَرِيمٌ } وقوله تعالى: {فإني قريبٌ} ، وقوله: {ذُقْ إنَّكَ أنتَ العزيزُ الكريمُ} ونحو ذلك .

يتناول هذا البحث قراءة تأملية في شعر شاعرٍ عاش في أواخر العصر الأموي وبداية العصر العباسي، وهو شاعر أسود من الموالي ، كان شديد الإحساس بالظلم الواقع على أهل بلاده من الأمويينالعباسيين . مما أدى الى إعلانه رفضاً شعرياً فذاً ساعده في ذلك أنه كان شاعراًمفلقاً وأديباً بارعاً شهد له بذلك الكثير من النقاد والبلاغيين .
يحلم بالمساواة والعدل وتحرير الناس من الفقر والظلم ، لكن أحلامه ذهبت أدراج الرياح ؛ لأنه صرخ منادياً بكل هذا حتى أجيب بالقتل ، فكان شهيد الهدف والمبدأ .

تم خلال هذه الدراسة عزل الجراثيم الملوثة للوحة المفاتيح والفأرة للحواسيب المستخدمة في وحدات مختبر الصحة المركزي (بغداد) والتي شملت واحد وعشرين وحدة.أظهرت نتائج الدراسة الحالية أن نسبة العزل كانت 50% من لوحة المفاتيح و 50 % من الفأرة للحواسيب المستخدمة في وحدات المختبر. إما بالنسبة إلى عدد المستعمرات المعزولة فكانت 193 عزلة جرثومية، 100عزلة من لوحة المفاتيح شكلت نسبة ( 52%) و93 عزلة من الفأرة شكلت نسبة (48%).أن أكبر عدد من الجراثيم عزل من لوحة المفاتيح للوحدتين الأوساط والايدز وأقل عدد عزل من لوحة المفاتيح لوحدة المناعة.في حين لم يتم العزل من لوحات المفاتيح التابعة للوحدات الحمى النزفية، الهرمونات وأمراض الدم. أما اكبر عدد من العزلات الجرثومية فلقد تم عزله من الفأرة لوحدة الايدز وأقل عدد من العزلات الجرثوية تم الحصول عليه من الفأرة التابعة لوحدة الكيمياء السريرية. ولم يتم العزل من الفأرة التابعة للوحدتين الهرمونات وأمراض الدم. أما العزل من كلا من لوحة المفاتيح والفارة لبقية الوحدات فتباين بتباين الوحدات. اظهر اختبارT-test لعدد المستعمرات المعزولة من لوحة المفاتيح مقارنة بعددها من الفارة عدم وجود فرق معنوي في حين اظهر الاختبار وجود فروق بين عدد المستعمرات لكلا من لوحة المفاتيح والفأرة بين الوحدات.
تم في هذه الدراسة تشخيص 193 عزلة جرثومية، 83 منها كانت فلورة طبيعية على الجلد وهي Staphylococcus epidermidis شكلت نسبة (43%) و 10 عزلات هي Dipheroid spp. شكلت نسبة (5%) من مجموع العزلات الجرثومية و 100 عزلة جرثومية ممرضة تعود إلى تسعة أجناس وهي 4 Bacillus subtilis (2%)، 7 Enterococcus faecalis (3%)، 11 Escherichia coli (6%)، 5 Flavi oryzihabitons (3%)، 8 Klebsiella pneumoniae (4%)، 11 Micrococcus luteus (7%)، 9 Pseudomonas aeruginosa (5%)، 38 Staphylococcus aureus (20%) و 7 Streptococcus spp. (3%).
بين اختبار الحساسية للمضادات الحياتية إن معظم العزلات حساسة للمضادات(LEV5, IPM10, T30, SXT25 ).ومقاومة للمضادات (AMC30, CX5, CL30) مع وجود بعض الاستثناءات. اظهر اختبار الحساسية للجراثيم Staphylococcus aureus تجاه المضاد الحيوي الاوكزاسيلين Oxacillinسيادة المكورات العنقودية الذهبية الحساسة لأوكزاسيلين( ( OSSAحيث بلغت نسبتها 74% في حين بلغت المكورات العنقودية الذهبية المقاومة لأوكزاسيلين( ORSA ) 26% من مجموع المكورات العنقودية الذهبية المعزولة.
بين اختبار تأثير ثلاثة أنواع من المطهرات على ثلاث عزلات منتخبة من المكورات العنقودية المقاومة لأوكزاسيلين والزائفة الزنجارية واشيريشيا القولون ولفترتي تعريض فعالية المطهر كلورين مقارنة مع النوعين الآخرين حيث أعطى أعلى نسبة من اختزال عدد المستعمرات المعزولة ولفترتي تعرض.

عندما قرر الامام الحسين (a) القيام بالثورة كان قد أعدّ لكل شيء عدته، فضلا عن كونه قد حدد الوجهة التي هو متوجه اليها، اذ أنه منذ اللحظات الاولى لخروجه وقبل أن تصله رسائل أهل الكوفة صرح في أكثر من موضع أن وجهته ستكون العراق وأن محله الكوفة حيث شيعته وشيعة أبيه()، وكأي قائد عسكري محنك فانه لم يغادر صغيرة أوكبيرة الا وأخذ العدة لها، فكان ابتداء أمره وصيته لاخيه محمد بن الحنفية: ((وأما أنت يا أخي فلا عليك ان تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم ولا تخفِ عني شيئاً من أمورهم))( )، في خطوة منه للتعرف على تفاصيل مايجري في الحجاز بغيابه .
ثم كتب وصيته إلى أخيه محمد بن الحنفية قبل خروجه إلى مكة موضحاً فيها غايته وأهداف اعتراضه والتي يمكن أن تعدّ البيان الاول للثورة الحسينية ومنها: اني لم اخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بقبول الحق ( ) .
تحرك الركب الحسيني إلى مكة، سالكاً الطريق الأعظم من دون ان يتنكب عن الطريق، أو يسلك الطرق الفرعية في تحدٍ واضح للسلطة الأموية( )، وقد تضمن ذلك الخروج العلني وإشهار المسير إلى مكة نوعاً من التعبئة للرأي العام الإسلامي( )، إذ حرص أبو عبد الله على أن تكون ثورته جماهيرية التأثير والاستمرار برغم انه كان عارفاً بالظروف الموضوعية التي يعيشها المجتمع الإسلامي آنذاك، ويعلم ان الأمة لن تستجيب لصوته استجابة سريعة إلاّ انه أصرّ إلاّ أن يوصل انباء نهضته إلى سائر البلاد الإسلامية لايجاد جمهور لثورته سواء أكان ذلك على مستوى الاستجابة العاجلة المتمثلة في النخبة التي ضحت معه أم على مستوى من ينضم إلى جمهور الثورة فيما بعد الواقعة، وهذا الحرص من الامام يمكن ملاحظته من إعلانه عن عزمه على الثورة في البيت الحرام وفي موسم الحج حيث التجمع السنوي للمسلمين من مختلف البلدان الإسلامية وتصريحه بالدعوة إلى الشهادة والتضحية( )، اذ لم يكن خروج الامام الحسين(a) مع جماعته من المدينة إلى مكة فراراً من مطالبة الوالي إياه بالبيعة ليزيد كما يذكر ذلك بعض الكتّاب ( )، إذ لو كان ذلك الخروج فراراً لسلك مسلك عبد الله بن الزبير في الذهاب إلى مكة من خلال اتباعه الطرق الفرعية ليفوت على السلطة الأموية فرصة اللحاق به( ) .
ولم يكن الذهاب الى مكة والتجاءه اليها احتماءً بالبيت الحرام من الذل والارغام( )، ودليلنا الى ذلك النصوص الواردة عن الامام الحسين (a) لناصحيه بالبقاء في مكة وعدم الخروج منها إلى العراق إذ كان يذكر استهداف بني أمية لشخصه، وانهم يتعقبونه في كل مكان، وأينما يكون، وانه ميت على أي حال سواء بقي في مكة أم خرج منها، وان بني أمية قد صمموا على تصفيته ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة وانه كان حريصاً ألا تنتهك حرمة الحرم الشريف بسفك الدماء فيها( ) وهذا ليس كلام شخص خرج ليلوذ بالحرم الذي اقتنع بأن بني أمية لا يتورعون عن انتهاك قدسيته .
فلم يأتِ خروج الامام الحسين (a) رضوخاً لحالة من الخوف وإنما أراد ان يلفت النظر المسلمين من مكة إلى قيامه ودوافعه وأهدافه، وأن يستعرض المواقف العامة للناس، ويشدّ اهتمامهم( ) ؛ فلاشك ان الحسين (a) قد أصبح محطة للمعتمرين وأهل الأمصار الذين وفدوا لأداء مناسك الحج طيلة الأربعة اشهر التي أمضاها قبل مغادرة مكة ولم يُخفِ نيته بالخروج على يزيد وحكمه بدليل انه تلقى نصائح عدد من وجهاء الأمة المشفقين عليه من الخروج على يزيد مخافة قتله وفشل ثورته( ) .
ومن ناحية أخرى مثّل خروج الحسين (a) إلى مكة واباءه البيعة بارقة أمل لمن يرغبون في التخلص من بني أمية والسير خلف راية أهل البيت (b)( ) إذ كان العراق في هذا الوقت ملتهباً بعد أن علم أهله بهلاك معاوية وبيعة يزيد، وخروج الحسين (a) إلى مكة رافضاً البيعة فعقدت في الكوفة الاجتماعات المناهضة للسلطة الأموية فأجتمع الكوفيون في بيت سليمان بن صرد الخزاعي( ) .
وقد شاركت البصرة الكوفة في عملية التحرك فالتئم اجتماع عدد من أهلها في بيت امرأة من عبد القيس يقال لها مارية بنت سعد( )، وتم انتقاد سياسة معاوية في ذلك الاجتماع، ورفضت فيه ولاية يزيد، واستقرت كلمة الحاضرين على دعوة الحسين (a) للقدوم عليهم فكتبوا إليه( ) ((من أجل قيادة الثورة التي قطعت شوطاً من النضج جاء في النتيجة محصلاً للمرحلة السرية وجهودها المكثفة كاطار وحيد للنضال السياسي في العهد السابق))( ) .
وكان أول كتاب ورد للامام الحسين (a) في مكة لعشر ليال خلون من شهر رمضان( )، ثم توالت الرسائل والكتب ووفود الكوفة والبصرة إلى الامام الحسين (a) في مكة، فكتب الامام الحسين(a) الى أهل البصرة كتابا جاء فيه :((أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً صلّى الله عليه وسلم على خلقه، وأكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه الله إليه وقد نصح لعباده، وبلغ ما أُرسل به صلّى الله عليه وسلم، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممن تولاه))( ) .
ولو نظرنا في نص الكتاب سنجد إشارة إلى ذلك الخلاف الذي حصل حول الخلافة بعد وفاة الرسول الكريم (k) بين بني هاشم وسواهم، وتواترت كتب التاريخ على اختلاف مذاهب أصحابها على نقله، وفي الكتاب قول بحق أهل البيت بخلافة النبي (k) ووصايته ووراثته، وهذا ما لم يتخلَّ عن التصريح به الامام علي (a) قبل خلافته وبعدها، وصرح به الحسن (a) بعده، وذكر الحسين (a) ترك بني هاشم للخلاف حباً للجماعة والائتلاف .
ولعل المتمعن في الحوادث التاريخية سيجد ان الإرادة الشعبية قد أبدت مطالبتها - ولو ظاهرياً - للامام الحسين (a) للقيام بالثورة على الحكومة القائمة، وقد ظهر ذلك جلياً من اجماع أهل الحجاز على تفضيل الحسين (a) وخاصة بعد اعلانه عدم البيعة وقدومه إلى مكة( )، ومن اجتماع أهل العراق - كوفة وبصرة - على مكاتبته ودعوته للقدوم، وقد حدد الامام الحسين (a) نظرته للحكم ورؤيته للسلطة، ومفهومه لارادة الناس، وبيعة الجمهور من خلال رسالته التي بعثها إلى أهل الكوفة جواباً على كتبهم: ((قد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم انه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق ... فلعمري ما الامام إلاّ العامل بالكتاب والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله))( ) . وهو يوضح ان الحسين (a) يستجيب لإرادة عامة (مقالة جُلّكم) ويفضح بطلان بيعة الحاكم يزيد وعدم أهليته لولاية المسلمين ببيان بعض الشروط الموضوعية للامام على الناس . وهو ما أكده الحسين (a) في المدينة عندما طلب منه مروان بن الحكم مبايعة يزيد فقال له: ((إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ وعلى الإسلام السلام إذابليت الأمة براعٍ مثل يزيد .. يا مروان ! أترشدني لبيعة يزيد، ويزيد رجل فاسق))( ) .
ولذلك يعتقد الباحث بأن دوافع الثورة كانت قائمة، وان الحسين (a) كان سيقوم بها حتى إذا لم تأته رسائل الكوفيين التي قد تكون عجلت بقيام الثورة لأنها تعبير عن إلقاء المسؤولية الشرعية على عاتق الحسين (a) في الخروج على الحاكم الظالم . فضلاً عن ان السلطة الأموية لم تكن لتترك الحسين(a) دون انتزاع البيعة منه أو قتله، وقد صرح الامام بهذه الحقيقة في كلامه مع الذين حاولوا ان يثنوه عن مسيره أو الخروج من مكة فقال: ((والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم ..))( ) وفي نص آخر: ((وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا بي حاجتهم))( ) ..
وإذا كانت الثورة قد أصبحت القرار النهائي للامام الحسين (a)، والشخوص الى العراق لتكون الموضع الذي ستنطلق منه الثورة، فقد حرص(a) على تهيئة الموقف السياسي في العراق قبل الوصول إليه، إذ انه أمام إلحاح أهل العراق وتوالي كتبهم ورسلهم إليه في مكة كتب إليهم يقول: ((... وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته ان يكتب اليّ بحالكم وامركم ورأيكم، فإن كتب اليّ بأنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم، اقدمعليكم وشيكاً إنشاء الله))( ). ويتبين من هذا الكتاب ان الحسين (a) قد أرسل من يتعرف على ما أجمع أهل الكوفة عليه، وأكد لهم انه سوف يلبي مطالبهم بالقدوم إليهم إذا كتب إليه رسوله بما يشاهده منهم، وهذا غاية ما يستطيعه للاحتراز قبل الاقبال إلى العراق( ) فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة( ) وارسل مولاه سليمان إلى البصرة( ) .

ان شخصية الإمام الحسين لم تنحصر بوجوده المادي الخارجي ولم تنحصر بمكان وزمان معينين، بل هي مفهوم كلي يحمل جميع القيم الانسانية والاسلامية، و ينسجم مع كل فطرة سليمة، فنرى كل من يطلع على سيرته وأقواله واثار ثورته ينجذب إليه من حيث يريد أو لايريد، بل في كثير من الاحيان ينقاد نحوه بإيعاز من العقل الباطني الفطري، بسبب سلوكه ذات الأثر على كل ذي عقل ولباب، وهذا الامر لم نجد فيه غرابة، إذ أن الظروف التي عاشها  تنبئ بذلك، فهو قد تربى في بيت الرسالة، في البيت الذي نزل به الوحي، وتتنزل فيه الملائكة، وفي حجر رسول الله  الذي وصفه الله تعالى بقوله(انك على خلق عظيم) هذا من حيث التربية.
وأما من حيث الوراثة فهو من أشرف العرب بل البشر نسباً في اصلاب شامخة وأرحام مطهرة، فهو طهر طاهر مطهر. كما ورد في الحديث( كنت في الاصلاب الشامخة والأرحام المطهرة) .
وفوق هذا وذاك فهو الاختيار الالهي للامام الحسين ليكون وارثا لرسول الله  بل والأنبياء والرسل كافة وإماما واسوة وقدوة للمسلمين، وحارسا وحاميا للدين.
وهذه المقدمات كانت من الممهدات لنهضته، فنهضته لم تكن ثورة انفعالية وليدة الساعة أو وليدة حدث معين في زمان ومكان معينين، بل هل أمر مدروس ومخطط لها في علم الله وعلم نبيه وأولائه عليهم السلام، وهي الامتداد الطبيعي لحركة رسول الله ، فكما أن النبي قام بنهضة شاملة في حياة الامة بأمر من الله تعالى في كل القيم المثل والاخلاق والعلاقات الاجتماعية، وكل ذلك كان يتمثل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى قضى على منكر جاهلية الجهلاء وقد أشار الى ذلك بقوله(كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع) .
فكذلك الامام الحسين  قام بنهضة شاملة بأمر الله تعالى؛ وذلك بعد عود الجاهلية على يد الطلقاء من البيت الاموي، وحصول الانحراف عن الاسلام المحمدي الاصيل، اذ جعلوا من الحق باطلا والباطل حقا والمعروف منكرا والمنكر معروفا، وصوروا للناس انهم هم ورثة النبي  ، وما يصدر عنهم هو الاسلام الذي جاء به النبي، وأخذ البعض يصدق تلك الأكاذيب، سيما من كان في البلدان التي فتحت بعد شهادة النبي ، فرأى الحسين عليه السلام ان العِدل قد مال عن موضعه، والحق خرج عن نصابه فقام مناديا (ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه) فكانت نهضته ضــد
الفكر الاموي المنحرف، وعليه يتضمن البحث المطالب التالية:
المطلب الاول: نهضة الحسين على لسان رسول الله.
المطلب الثاني: نهضة الحسين كانت ضد الفكر الاموي.
المطلب الثالث: نماذج من القيم الاسلامية في نهضة الحسين.
المطلب الرابع: نماذج من القيم الانسانية(حقوق الانسان والحيوان) في النهضة الحسينية.
المطلب الخامس: استلهام القيم والمثل من ثورة الحسين.

لا ريب في أن الكتابة عن عظيم مثل الحسين  شرف وكرامة، فضلا عن أنه فرصة للبحث عما هو جديد وسط زحام البحوث الرائعة حول هذه الشخصية الإنسانية الإسلامية الكبيرة ، ومن هنا جاء بحثنا بعنوان ( فلسفة الموت عند الإمام الحسين  ) محاولا ترسم طريق جديد في البحث عن خبايا هذه الفلسفة ، وقد وضعت لها خطة دراسة شملت تمهيدا ومبحثين ، ضم التمهيد موضوع ( الموت وكرامة الشهادة ) وتحدثت فيه عن هبة الله لعباده المخلصين في نيل الشهادة ولاسيما أئمة أهل البيت .
أما المبحث الأول فقد جاء بعنوان ( الموت في فكر الإمام الحسين() ) وبحثت فيه فكر الإمام في خلال عباراته للموت فكانت بالعنوانات الآتية : السعادة ، والقلادة والوله، والعسل والحق.
وأما المبحث الثاني فقد درست فيه مسيرة الحسين  نحو الموت وأسميته ( رحلة الحياة ) وضم أسس تلك الرحلة وهي : أولا: وضوح الغاية .
وثانيا : التسليم المطلق لله تعالى .
وثالثا: الواقعية.
هذا وقد اعتمدت الصبغة التحليلية في النصوص الحسينية لمحاولة الوصول إلى رؤية الحسين  وفلسفته للموت ، ومن هنا كان جل اعتمادي على المصادر التاريخية التي وثقت كلامه  ، فضلا عن بعض معاجم اللغة والكتب النقدية والفكرية .
ويبقى همنا من ذلك كله تقديم هذه الحقيقة الخالدة التي اتخذها جميع الأحرار شعارا لهم ولقضاياهم المشروعة عبر تاريخ الإنسانية وحاضرها ومستقبلها ، أسال الله تعالى التوفيق في هذا العمل إنه ولي حميد .

لكل ثورة تغيير واصلاح دوافع حقيقية متمثلة بأهداف تلك الثورة ، والثورة العاشورائية للإمام الحسين () لها دوافعها الحقيقية المتمثلة بهدف ذات أبعاد مختلفة ، من أبرزها هو البعد الاجتماعي الذي يتعلق بالأمة الإسلامية ومسارها الحقيقي فأوضاعها المتدهورة نتيجة تسلط النظام الأموي الجائر .
ونحن في هذا البحث قد تناولنا بإيجاز هذا البعد الاجتماعي من خلال : مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث ونتيجة .
تمهيد :
إن العنصر الإجتماعي في الثورة الحسينية شديد الوضوح ، ويستطيع المتأمل أن يلاحظ فيها من بدايتها حتى نهايتها ، ويشاهد ان الإمام الحسين () كانت ثورته من أجل الأمة الإسلامية ، لقد ثار على يزيد باعتباره ممثلاً للحكم الأموي ، هذا النظام الذي استعمل سياسة التجويع والترهيب والترغيب ، وصرف أموال هذا الشعب في اللذات و شراء الضمائر وقمع الأنتفاضات التحررية للشعوب ، هذا الحكم الذي اضطهد المسلمين غير العرب وهددهم بالافناء ، ومزق وحدة المسلمين العرب ، وبعث فيهم العداوة والبغضاء ، هذا النظام الذي شرد ذوي العقيدة السياسية التي لا تتفق مع سياسة البيت الأموي ، وقطع الأرزاق عنهم وتتبعهم تحت كل حجر ومدر ، هذا الحكم الذي عمل عن طريق مباشر تارة وغير مباشر تارة أخرى على تقويض الحس الانساني في الشعب ، وقتل كل نزعة الى التحرر بواسطة التخدير الديني الكاذب ، عندما لاحظ الإمام () كل هذا الأنحطاط ثار عليه ، وجسد هذا بقوله لأخيه محمد بن الحنفية في وصيته له : ( إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي بيني وبين القوم الحق ، وهو خير الحاكمين ( ).
وظهر العنصر الأجتماعي في نهضة الإمام الحسين () أيضاً حين التقى بالحر بن يزيد الرياحي ، حيث خطب الجيش الذي مع الحر قائلاً : (( أيها الناس إن رسول الله ()قال : من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً حرام الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام الله ، وحرموا حلاله ، وأنا أحق من غيّر ، وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، وأنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فان تممتم علي بيعتكم تصيبوا رشدكم ،فأني الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله ().... )) ( ) فهنا بين لهم أسباب حركته ونهضته : أنه الظلم والأضطهاد والتجويع و وضّح لهم مايخافونه من الثورة ، لقد علم انهم يخشون الثورة لخشيتهم الحرمان والتشريد ، فهم يؤثرون الحياة بذل وهوان على محاولة التغيير خشية أن يفشلوا فيعانوا القسوة والضنك

أفرزت واقعة ألطف الكثير من المواقف على مختلف الأصعدة واخترنا في هذه الدراسة المواقف المعارضة في الواقعة التي تعد انقلاباً في أحرج الظروف ولكي نكون حياديين سنتناولها لكلا الجانبين- الجانب الأموي-و-الجانب العلوي- إن وجدت.
ولابد من توضيح أكثر فالقصد بالمحاولة الانقلابية ليس كما تُفهم سقوط دولة أو تغيير مسار حكم بل هي المحاولة التي أثرت على الحدث سواء كان هذا الحدث يشمل الكل ام البعض أم الشخص نفسه فنعتبر التصرف البسيط انقلاب,وتغيير الولاء في المعركة انقلاب,والكلمة في حضرة سلطان جائر انقلاب بل حتى الكلمة في غياب السلطان هي انقلاب لان وضع الدولة الأموية كان وضعاً دكتاتورياً لايتقبل الحقيقة التي تفضحهم,ولا يتقبلأدنى جرأة قد تزعزع عرشهم, ولذلك لم نقل عملية انقلاب بل قلنا مواقف انقلابية لان العمليات تكون مدروسة ومخطط لعا وغالبا ترتبط بنشاط عسكري, لذلك ماذكر في هذه الدراسة من وجهة نظرنا انقلاباً ولولم يكن كذلك لما افرد له المؤرخون حيزاً من مؤلفاتهم فهم على يقين أن الذي دونوه قد اثر في المجتمع مع اعترافنا باختلاف نسبة التأثير بين حدث وآخر.
وستكون الدراسةعلى محاور المبحث الأول:مواقف قبل واقعة ألطف,المبحث الثاني:أثناء المعركة, المبحث الثالث:المواقف الانقلابية بعدالواقعة, التأثير الأزلي للمواقف الانقلابية الحسينية, والخاتمة..
وكان اعتمادنا على مجموعة من المصادر أهمها: مقتل الحسين لأبي مخنف ت157هـ,وتاريخ الرسل والملوك للطبري ت310هـ,والكامل في التاريخ لابن الاثيرت640هـ,بالإضافةإلى مجموعة من المراجع ,وعلينا الاعتراف مقدماً أن التقصير يلفُّ بالدراسة مهما قدمنا فعذرنا موصول لآل البيت(عليهم السلام)والعذر عند كرام الناس مقبولُ, والمواقف كثيرة لكننا سلطنا الضوء على بعضها على سبيل المثال لا الحصر

إن انحراف امة النبي محمد()عن قيادتها الإلهية المتجسدة بالأئمة المعصومين أولي الأمر من اهل بيت نبيهم كان فاجعة عظمى ومصيبة كبرى أصابت الأمة بإثم عظيم أحاط بها حتى رأسها، فأصبحت الأمة جسداً بلا رأس ، والرأس لا غنى للجسد عنه ، ويستحيل أن تتم أموره وان يكون جسداً طبيعياً إلا به .
لقد استمر هذا الانحراف الخطير يشتد ويوغل في الظلمات حتى بلغ الذروة التي ما بعدها شيء عندما أقدموا على استئصال ذرية محمد () وذبح ريحانته وسبطه ووصيه ابي عبد الله الحسين () ومعه سبعة عشر بدراً من صلب علي وفاطمة صلوات الله عليهما وثلة من الأصحاب الابرار.
وعندما أقدمت الثلة الفاسدة المتمثلة بآل أمية على قتل الحسين وفصل رأسه عن جسده إنما هي فصلت رأس الأمة الإسلامية عن جسدها؛وبذلك أصبحت الأمة عمياء يستحيل صلاحها حتى يعود رأسها إليها ، وهذا الأمر لا يتم إلا بعد خروج وقيام حفيد الحسين () الإمام القائم () الذي يتولى إعادة الأمور الى نصابها وتقويم الاعوجاج وإصلاح الانحراف ،وبالتالي إزالة الإثم الذي أحاط بالأمة , ولرب سائل يسأل: ما هي أهداف الحسين بن علي بن ابي طالب من ثورته الدامية ؟
ولمعرفة أهداف هذه الثورة المباركة معرفة كاملة ودقيقة لابد للإنسان ان يدرس هذه الحادثة العظيمة من جميع جوانبها حتى تتضح له أسباب تلك الثورة وأهدافها .

فان مقاطع كثيرة من تاريخ الإسلام تشهد للدور المؤثر والمصيري للمرأة في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية ،بل وحتى العسكرية منها. وقلما نجد برهة من التاريخ لم تشهد نساء يعتلين قمم العظمة والعفاف والعرفان والايثار والدفاع عن القيم وتثبيت الاديان الالهية ومواجهة الظلم .
نعم ... شهد التاريخ حضوراً نسائياً فعالاً لبعض النساء الى جانب الأنبياء والأوصياء كالزهراء () ،وقبلها كانت أمها خديجة الكبرى أم المؤمنين () ،بعدما تربعت على عرش العظمة قبلهما آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون التي سبقت السيدة مريم العذراء في وقفتها المشهودة في الدفاع عن ولدها النبي عيسى ().
وشهدت المجتمعات في مقاطع تاريخية مختلفة حضوراً فعالاً لنساء أخريات كالسيدة سمية أول شهيدة في الإسلام، والخنساء وأم حكيم اللتين كانتا نموذجاً للمرأة الأديبة والشاعرة والمربية للشهداء، وسودة وأم الخير اللتين كانتا مثالاً للمرأة الحاضرة في الساحة السياسية وساحة التضحية والإيثار، ورابعة الشامية ورابعة البصرية ورابعة العدوية اللاتي كن من النساء العارفات بالله،وغيرهن الكثير الكثير.
ولكن للأسف، فالتاريخ لم يهتم كثيراً بتلك النسوة، فبقين مجهولات لكثير من المسلمين ولسنين متمادية. وبين هذه النساء الخالدات شع نور عقيلة الهاشميين زينب (عليها السلام) المرأة العظيمة التي ارتقت سنام العظمة. ونحن عندما نريد ان نكتب عنها نقول على لسان أبيها أمير المؤمنين علي ():( نحن أهل البيت لا يقاس بنا احد) (1).
وقد صدق الجاحظ الذي علق على هذه الجملة ، إذ قال:(صدق علي في قوله ؛نحن أهل البيت لايقاس بنا احد،وكيف يقاس بقوم منهم رسول الله  ،والاطيبان علي وفاطمة ، والسبطان الحسن والحسين ، والشهيدان حمزة وذو الجناحين جعفر، وسيد الوادي عبد المطلب، وساقي الحجيج العباس، وحليم البطحاء والنجدة ،والخيرة فيهم الأنصار من نصرهم، والمهاجرون من هاجر إليهم، ومعهم، والصديق من صدقهم، والفاروق من فرق بين الحق والباطل فيهم، والحواري حواريهم، وذو الشهادتين، لأنه شهد لهم (2) ولا خير إلا فيهم ولهم ومنهم، وابان رسول الله () أهل بيته بقوله :( إني تارك فيكم الخليفتين : كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض،وعترتي أهل بيتي ، نبأني اللطيف الخير إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(3) ،ولو كانوا كغيرهم لما قال عمر لما طلب مصاهرة علي: إني سمعت رسول الله يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببي ونسبي، أما علي فلو أردنا ان ندون لأيامه الشريفة، ومقاماته الكريمة، ومناقبه السنية، لافنينا في ذلك الطوامير، العرق صحيح، والمنشأ كريم، والشأن عظيم، والعمل جسيم، والعلم كثير، والبيان

كان التشيع في الكوفة (1)قبل فاجعة كربلاء سنة 61 هـ بين من عرف بصحبته للنبي  وتابعيته مثل عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان وسليمان بن صرد الخزاعي وحجر بن عدي الكندي وأصحابه ممن قتل معه في مرج راهط وعمرو بن الحمق الخزاعي وآخرين كانوا يرون في علي اهليته للخلافة بعد رسول الله بالنص وحق الارث وتنضاف اليهم بطون من قبائلهم وكانوا جلهم من اهل اليمن الذين سكنوا الكوفة ، واكثرية رأت فيه أهليته للخلافة وفق منظور اسلامي لا يختص به فحسب بل تجتمع شروطه في السابقة والفضل والقرابة – اختصاص الخلافة بقريش – والعلم واستقامة السلوك وعدالته في الحكم . وهو ما شكل موازين انتخاب علي وبيعته يقول ابن الاثير (لما قتل عثمان اجتمع اصحاب رسول الله من المهاجرين والانصار وفيهم طلحة والزبير فأتوا عليا فقالو له انهم لابد للناس من امام قال لا حاجة لي في امركم فمن اخترتم رضيت به.... وقالوا له في ذلك اننا لا نعلم احدا احق به منك ولا أقدم سابقة ولا اقرب قرابة من رسول الله ) (2) وكان أول من سعي في بيعة المصريون وأشتد في اثرهم البصريون والكوفيون حتى ارغم من أبى على بيعته) (3) (وقد افصحت دارمية الحجونية يوم وفودها على معوية عن سبب ولائها علي بقولها (اني احببت عليا على عدله في الرعية وقسمه وبالسوية وواليت عليا على ما عقد له رسول الله من الولاء وحبه المساكين واعطائهلأهل الدين )(4) وهي تكشف عن اسبابهذا التأييد العام الذي وقفه اهل الاسلام ما خلا قليلا في انتخاب علي وبيعته
وقد وصف علي اجتماعهم عليه في احدى خطبه بقوله (وبسطتم يدي فكففتها ومددتموها فقبضتها ثم تداككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل وسقطت الرداء .. وتحامل اليها العليل وحسرت اليها الكعاب ) (5) وفيه اشارة الى انثيال الناس على بيعته حتى كشفت عن وجهها الكاعب متوجهة الى بيعته بلا استحياء لشدة الرغبة والحرص على اتمام عقدها لأمير المؤمنين(6) ان هذه الرغبة في بيعة علي والحرص على خلافته لم يكن الدافع اليها التشيع وحده اوان غلبة التأييد هذه نمت عن اعداد الشيعةفي اوساط الحواضر الاسلامية . انما عهدت الامة فيه ما يحمله من صفات شخصية تتفق وشروط الخلافة بل شروط الناس في الخليفة
ان بيعته وان حدثت في المدينة الا انها تعكس اجمالا وجهة المجتمع الاسلامي في انتخاب علي ويزيد من ذلك ان بيعته تمت بحضور رجال من مصر والبصرة والكوفة فضلا عن المدينة عاصمة الخلافة الاسلامية وهي اول حادثة واخرها في تاريخ الاسلام يتحقق فيها انتخاب زعيم اسلامي على ضوء مبدأ الشورى واطاعة حاكم لشعب في الشورى . وكان اهل تلك الامصار حضروا للإطاحة بعثمان بن عفان وجاء بعض منهم مع علي الى الكوفة ووافي حروب علي ومعاوية بعد حرب الجمل ووصف خفاف بن عبد الله الطائي قدوم علي الى الكوفة في حديثه عن بيعته (فحمل اليه الصبي ودبت اليه العجوز وخرجت اليه العروس فرحا به وشوقا اليه )(7)
ان هذا الاندفاع في بيعة علي لم يكن بالضرورة يصدر كليا عن تشيع تحدث عنه النوبختي في كتابه فرق الشيعة ونسبه الى (اول فرق الشيعة ..... المسمون بشيعة علي بشيعة علي  في زمان النبي  وبعد معروفون بانقطاعهم اليه والقول بإمامته )(8)
ان مدى اقتراب هذا الاندفاع وانخراطه في هذا التشيع الذي عرفه البعض انه تشيع روحي واصّل له في زمن النبوه ,نستطيع ان ندركه في عبارات وردت في خطاب ابي جعفر محمد بن الباقر الى رجل من شيعته من اهل العراق هو هشام الكابلي حيث يقول ابي جعفر (كان علي بن ابي طالب عندكم بالعراق يقاتل عدوه ,ومعه اصحابه وما كان فيهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته , وحق معرفته امامته )(9) ويبدوا ان مراده هذا النوع من التشيع الذي التزمه القائلون بالنص على خلافة علي وما تمت الاشارة اليه بالتشيع الروحي .والقول يكشف عن عدم رسوخ هذا التشيع في الكوفة في عهد علي وقصوره عن ادراك ما بلغه امره في عصور لاحقة بعد واقعة ومأساة كربلاء سنة 61 وفي موضوع ذي صلة يروي ابن ابي الحديد المعتزلي عن نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن هرثمة بن اسليم قال: ( غزونا مع علي... قال : فلما رجع هرثمة من غزاته – صفين- الى أمراته جرداء بنت سمير وكانت من شيعة علي  – حدثها هرثمة فيما حدث فقال لها : الا اعجبك من صديقك ابي حسن قال لما نزلنا كربلاء وقد اخذ حفنة من ترابها فشمها وقال : واها لك ايتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب , وما علمه بالغيب فقالت المرأة له : دعنا منك ايها الرجل فأن امير المؤمنين  لم يقل الا حقا) (10) ان هذه الرواية تكشف عن اختصاص التشيع في الكوفة بقوم خلصوا وسلموا بالحق لعلي في كل احواله حتى وان كانت من ضروب الغيب وهو يعبر عن تشيع روحي في كلام تلك المرأة ويحمل ملمحا اوليا عن عقيدة العصمة عند الشيعة حيث نشهد له تطورا واضحا في مثل مناخات العقيدة الشيعية هذه بعد قتل الحسين بن علي .