Journal of Al Imam Al-Adham University College

جاء ذا البحث في سبيل تحقيق التكامل المعرفي بين علوم النص وعلمي الكون والنفس، والذي
يهدف في مقاصده الأساسية إلى بيان ما فيهما من دعم قوي في رفد تفسير النص القرآني المقدس
بالمزيد من وجوه المعاني الجديدة، المستنبطة استنباطا صحيحا، يقره المنطق السليم، المبني على
معرفة أساليب كلام العرب الجارية، وأصول التفسير المعتبرة عند المفسرين. وقد راعى الباحث القيمة
البحثية، بالأصالة الموروثة والمعاصرة الواعية، لكي يتسنى له ربط ما قدمه المفسرون القدماء مع
ما توصلت إليه الأبحاث العلمية اليقينية في علمي الكون، النفس، وبذا يتحقق التكامل المعرفي جليا
واضحا بين علوم النص - قرآنا وسنة - وما يتبعهما من القواعد الكلية في الإسلام، وبين علم الكون مستندا
إلى علم النفس، وقد توجه البحث ليسد ثغرة في مكتبتنا العربية الإسلامية.

الملخص
يعتقد علماء اللغة العربية القدامى بأن الرموز اللغوية أصواتاً وصيغاً وتراكيب قد وضعت للدلالة على
المعاني حقيقية أو مجازية، وأن هنالك اتفاقاً اجتماعياً على التعامل بهذه المكونات اللغوية ورفض أية
محاولة للخروج عن هيمنة ذلك الوعي الاجتماعي الذي تواضع أفراده على تلك الرموز في إدارة علاقة
تخاطبية ناجحة؛ لأن ذلك الخروج يكون سبباً في إفشال عملية التواصل الذي هو من أهم أغراض وجود
اللغة والحاجة إليها.
ومن ثم أحس الدارسون العرب في حقل اللغة والأصول والفلسفة بالحاجة إلى بيان ذلك التواضع
اللغوي وأركانه وأسبابه وأهميته وأنوعه وكيفية تأثير الواقع الاستعمالي على حدود تلك المواضعة وصولاً
إلى تفسير دقيق للنظام اللغوي، وتحديد عميق لمقاصد المتكلمين و إرادتهم من العمليات التخاطبية.
ويحاول هذا البحث أن يستكشف مكانة هذه النظرية في الدرس اللساني المعاصر ، ومقارنة
المنجز اللغوي العربي المتعلق بدراسات التواضع الرمزي للغة مع الدراسات اللسانية المعاصرة بغية
إحداث تكامل معرفي بين النظرية الوضعية لدى اللغويين العرب وما أنجز من بحوث لسانية معاصرة،
تنسجم في طروحاتها مع تلك النظرية، خروجاً من العزلة المفاهيمية وتحقيقاً للتقارب في ميادين
التطبيقات اللغوية.
ونظراً للتنوع المعرفي الهائل في المنجز اللساني المعاصر فإن هذا البحث سوف يركز اهتمامه على
المقولات الغربية الوضعية منها، التي تنظر إلى النظام اللغوي على أنه نظام رمزي تواضع عليه المستعملون،
مؤكدين الحاجة الملحة إلى قيام نظرية الوضع والبحث فيها وفي أغراضها وأسبابها وأهميتها وأنواعها،
وأثرها الكبير في عمليات التحليل اللغوي وصوره المختلفة المتمثلة بآليات الحذف والتقدير والتأويل،
التي يقوم بها المتكلم وفق النظام الوضعي للغة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه
أجمعين، أما بعدُ:
فإنَّ في ساحة الفكر الاسلامي تراكماً معرفياً كبيراً، والتراث الفقهي أحد أهم مجالات المعرفة في التراث
الإسلامي؛ لما له من أثر فاعل في ساحة التفكير الفقهي المعاصر خوصاً، والتفكير الشرعي عموماً، إلا أن
هذا التراث الفقهي الكبير لم يخضع للدراسات الانسانية، كعلوم الإنسان، وعلوم المجتمع والسياسية
والاقتصاد؛ لأن التراث الفقهي مثلما تشكل من النصوص وأدوات فهم النصوص وقواعد الاستنباط =
أيضاً تشكل وفق سياقات متعددة وبيئات مختلفة، وسياسات وصراعات واقتصاديات، كلها عملت
بشكل وآخر في رسم كثيرٍ من المعارف، ومدت يدها قصراً لتشكيل هذا التراث الفقهي، وبمعنى آخر
أن الاجتهاد الفقهي لم يشكله الفضاء النخبوي فقط، بل الفضاء العام فاعل كبير ولاعب أساسي في
مخرجات الاجتهاد الفقهي. ولفك هذا الترابط الكبير والأدوات التي شكلت هذا التراث لابد من الاستعانة
بهذه العلوم المجاورة لفهم النص، وفهم كيفية تشكيل العلوم والمعارف التي سُطرت حول النص. وهذا
البحث يتجه إلى النظر في الاجتهاد الفقهي مستعيناً بعلوم الاجتماع وما تمثله من فاعل كبير في قراءات
معرفية تسهم في فهم هذا التراث المعرفي الكبير .

ان نظرية الهرمنيوطيقا هي نظرية قائمة على نظرية الوجود ونظرية المعرفة، وقد كثر استخدام هذا
المصطلح في الساحات الفكرية الاسلامية، ولا زال هناك الكثير من طلاب العلم الشرعي يجهلون هذه
النظرية وما ورائها من ابعاد فكرية ذات غرض استشراقي إلحادي، فكان لا بد من بيان هذا المصطلح
وأصل هذه النظرية وجذورها وبيان حقيقتها.
قد عمل الباحثين الحداثيين الاسلامين على تصنيف الكتب التي تدعوا الى الهرمنيوطيقا وطرحها
بأسلوب عصري وفكري جديد، وتناول النصوص الدينية بطريقة الحداثة والتأويل الهرمنيوطيقي. ولكون
التأويل هو امر أساسي لبيان مقصود النصوص الدينية اختلط على المسلمين التأويل الاسلامي المنضبط
والتأويل الهرمنيوطيقي. لذلك اخترت هذا العنوان لبيان حقيقة الهرمنيوطيقا، ومدا تأثيرها على العقيدة
والصفات الخبرية على وجه الخصوص كون الصفات الخبرية واجب الايمان بها مع تأويل ظاهرها، فهل
هذا التأويل له صلة بالهرمنيوطيقا؟ وهل هناك تكامل معرفي بين الصفات الخبرية والهرمنيوطيقا؟
وقد قسمت هذا البحث الى ثلاثة مباحث: فكان المبحث الاول: التعريفات والمصطلحات. أما
المبحث الثاني: فكان لبيان ضوابط التأويل بين المسلمين والهرمنيوطيقين. والمبحث الثالث: نسبة
حدود التكامل المعرفي بين تأويل الصفات الخبرية ونظرية الهرمنيوطيقا. واعقبتها بخاتمة البحث.
فما كان من صواب في هذا البحث فهو منن توفيق الله، وما كان فيه من زلل وخطأ وقصور فهو من
نفسي ومن الشيطان.

إن الشريعة الإسلامية المباركة تجعل العلوم كلها مترابطة ومتكاملة، فلم ينفر علم من العلوم الشرعية
علما آخرا من العلوم الطبيعية أو التطبيقية أو الإنسانية أو الكونية، و إنما الحقيقة التلاقي والتقارب
والتوافق والتكامل.
و إن التعايش المجتمعي الآمن بين جميع أفراد المجتمع - مسلمين وغير مسلمين - له أثر كبير في
تقوية أواصر العلاقة بينهم ، كما أنه يزيل الحواجز النفسية بين طبقات المجتمع المختلفة ، وينمي الشعور
بالأخوة الإنسانية ، ويقضي على الحقد والضغينة ، ويشيع المحبة والتسامح والتعاون بين الناس.
ويعد هذا الموضوع من الموضوعات المهمة والبارزة في وقتنا الحالي ؛ إذ يمس جوهر حياتنا فيما يتعلق
بالناحية الاجتماعية والإنسانية ، إذ فرضه واقعنا المعاصر ؛ ونظرا لأهمية هذا الموضوع جاءت هذه الدراسة
لإلقاء الضوء على مظهر من مظاهر التكامل المعرفي بين النصوص الشرعية والعلوم الإنسانية، وهدفت
إلى بيان العلاقة التكاملية والمعرفية بينهما ، من خلال عرض بعض النماذج والجوانب الفقهية التي
تدلل على يسر الشريعة الإسلامية ودعوتها للتعايش المجتمعي الآمن ،و إشاعة روح المحبة والتسامح
والإخاء بين جميع أفراد المجتمع ، ونبذ العنف ودعوات الفرقة والتشرذم بينهم، فبالوحدة والتعاون
تتوصل الدولة المسلمة إلى نهضة حيوية شاملة في جميع مرافق الحياة وتصبح عزيزة الجانب .

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعملنا، من
يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد؛ في ظل الثورات الفكرية وظهور دعاة الحداثة وما بعد الحداثة، بدأت تظهر في المجتمعات
الإسلامية مصطلحات غريبة علي العقل العربي، تحاول أن تنفذ الي النصوص الإسلامية المقدسة
وتخضعها لمشرحة النقد والتحليل، باستخدام مناهج غربية بعيدة عن الروح الإسلامية، فظهر ما عرف
بمصطلح هرمنيوطقيا النص القرآني، وهو مصطلح يحاول المروجون له إحداث تأويلية معاصرة للنص
القرآني تواكب الواقع المعاصر ، في محاولة للتحرر من رقبة التفسير الكلاسيكي السائد، الذي يتهمونه
بالجمود والصنمية وعدم مواكبته للواقع، ومن ثم العمل علي توظيف المنهج الهرمنيوطقي كآلية
جديدة تعيد صياغة فهم النص القرآني، وذلك بجعل النص القرآني نصاً تاريخياً وثقافياً ولغوياً يقبل
النقد والتجاوز.
وقد جهل دعاة الحداثة أو تناسوا أن للقرآن الكريم خصوصية عظيمة، وهي كونه نصاً إلهياً لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ومن ثم فلا يمكن مقارنته بالنصوص البشرية،
ولا حتي بالنصوص الدينية الأخرى كالتوراة والانجيل، والتي نشأت في سياق ثقافي وعوامل معرفية
متناقضة، جعلت هذه الكتب مليئة بالإشكاليات والتناقضات التي تستدعي تدخل المنهج الحداثي
حتي تتفق مع العقل والبراهين العقلية.
أما النص القرآني فهو بمنأى عن هذه الشبهات والنواقض، وليس من الحكمة مقارنته بالنصوص
البشرية، أو حتي النصوص الدينية التي امتدت اليها يد التحريف.

بسم الله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه
واقتفى.
وبعد؛ إن موضوع التكامل المعرفي بين العلوم بمختلف أنواعها، ليس من بدع هذا الزمان و إنجازاته،
بل هو موضوع قديم على مستوى الممارسة والتطبيق، وجديد على مستوى الدعوة إليه و إلى إحيائه
واستثماره لتضييق الهوة بين مختلف العلوم والفنون المعرفية و إعادة روابط التكامل والتعاون فيما بينها
وتمتينها. والناظر في الوحي بنوعيه يجد أن الدين الإسلامي لم يقتصر على توجيه الناس إلى النظر في
كتاب الله وسنة رسوله فقط، بل أرشدهم كذلك إلى النظر في نفوسهم وفيما يحيط بهم من مخلوقات؛
لوجود التكامل بين النظرين، أي: النظر في الوحي والنظر في الكون و إعمال الفكر في مكنوناته، وكلا
النظرين نظر في كتاب الله، أحدهما مسطور والآخر منظور. وهذا الذي يؤسس للتكامل المعرفي بين علوم
النص وسائر العلوم الأخرى، وينضاف إلى أن القرآن الكريم و إن كان كتاب هداية فهو كتاب قد تضمن
أصول العلوم والمعارف، فقد أشار إلى بعض السنن التاريخية والقوانين المتحكمة في حركة وتنقل أحوال
الاجتماع البشري، واهتم بالسنن النفسية وأسرارها، وأشار إلى العديد من السنن الاجتماعية كسنة التدافع
وسنة التعارف الحضاري وسنة الاختلاف وسنة الله في الترف والمترفين.
واستجابة لهذا التوجيه الرباني ظهر في عصور الإسام رجال موسوعيون حقا، جمعوا بين علوم
النص وعلوم الكون، فمارسوا التكامل المعرفي بين العلوم وطبقوه لما آمنوا به وبضرورته وأهميته، فنظروا
في القضايا والنوازل التي تنزل بهم نظرة مركبة شمولية تكاملية. وقد حققوا هذا التكامل على مستوى
التكوين والإنتاج العلمي، فكان تكوينهم العلمي تكوينا تكامليا و إنتاجهم الفكري إنتاجا تكامليا كذلك،
وما خلفوه من تراث خير شاهد على ذلك؛ فابن رشد جمع بين الطب والفلسفة واللغة والفلك والفيزياء
والفقه، وابن خلدون جمع بين عدة علوم سواء على مستوى التحصيل أو الإنتاج، وظهر التكامل المعرفي
في مشروعه العمراني، وكذلك فيلسوف الحضارة مالك بن نبي الذي جمع بين الثقافة الشرعية والغربية،
وبين العلوم الإنسانية والاجتماعية والكيمياء التطبيقية والهندسة والرياضيات والفيزياء.

تهدف هذه المداخلة إلى الوقوف على الحيل التي اعتمدها العلمانيون للمساس بقدسية النصوص
الدينية و لا سيما الإسلامية منها، و على رأسها القرآن الكريم، و حتى لا يُقدح في تعاملهم تجاه القرآن،
فقد عوّلوا على مصطلح التأويل بدل الهرمنيوطيقا، باعتبار التأويل مصطلحا استعمله القرآن. بيد
أنّ العلمانيين أرادوا تطبيق هذا التأويل منفلتا من كل قيد و شرط، محاولين أنسنة النص القرآني،
و بالتالي تأويله حسب المناهج و التصورات التي أفرزتها الحضارة الغربية، من تفكيكية و رمزية و أدلجة
و تناص و غيرها.
و سوف نتطرق إلى أسس التأويل في الخطاب العلماني العربي، فمن هذه الأسس )الأصل في الكلام
التأويل، لا توجد قراءة بريئة، ليس للنصوص معانٍ ثابتة أو دلالات ذاتية، تأنسن النص القرآني، النسبية،
الفراغات أو ما بين السطور، التأويل إنتاج للنص...(، كل هذه الأسس و غيرها سنعرج عليها بالشرح و
النقد للوصول إلى زيف هذه الدعوات..
الهرمينوطيقا أو التأويل المنفلت للقرآن الكريم:
تمهيد:
اخترت بدأ مداخلتي هاته بتساؤل متمثلا في ..
أولا: لماذا التعويل على التأويل؟:
يُعوِّل الخطاب العلماني كثيراً على التأويل في قراءته للقرآن الكريم، لأن التأويل مفهوم قرآني يمكن
الولوج منه بسهولة إلى الغايات التي يبحث عنها هذا الخطاب وتحت هذه المظلة يمارس هذا الخطاب
آلياته في القراءة والتي لا صلة لها بالمفهوم القرآني مطلقا.
لقد قال هاملتون جب بصراحة: «.. لكن الأجيال الإسلامية المعاصرة تحتاج إلى أ كثر من هذا القول،
فيجب أن يُثبَت لها أن لا شيء في القرآن من التناقض ولا من الباطل ... وأن الفكر العلمي أو الروائي
التاريخي المعاصر لم يكتشف شيئاً يعارض سلطة القرآن وأوامره، لنصل بها إلى نتيجة لا نبلغها إلا
إذا اعتمدنا على القول بأنه من كلام الله، وأنه لا يجوز الخوض فيه قليلاً أو كثيراً ... فالمطلوب أساساً
هو التأويل

تناولتُ في هذا البحث بيان العلاقة بين السنن الإلهية الاجتماعية وعلم الاجتماع، كما بَّينتُ
خصائص سنن الله الاجتماعية، وأثر معرفتها في العلوم الإنسانية، ووجَّهتُ دراستي لتجلية معالم المنهج
القرآن الكريم في سنة ترتب الجزاء على العمل كإحدى السنن الاجتماعية، وذكرت أنواع الشواهد القرآنية
التطبيقية لسنة ترتب الجزاء على العمل مع التمثيل لها، وأفدت في بحثي من المنهجين الوصفي
والتحليلي، وأسفر البحث عن بعض النتائج لعل من أهمها إظهار العلاقة الوطيدة بين السنن الاجتماعية
في ضوء القرآن الكريم، وعلم الاجتماع البشري على اختلاف مجالاته وفروعه، و إبراز معالم المنهج القرآني
في سنة ترتب الجزاء على العمل، وهي جديرة بالإفادة منها، والانتفاع بها في حياتنا العلمية والعملية،
وقد ذكرت منها اثني عشر معلما، وأوصى البحث بجملة من التوصيات كان من بينها الدعوة إلى دراسة
أفراد السنن الاجتماعية في ضوء القرآن الكريم، وبيان أثرها في الناحية العلمية والعملية، ووجه ارتباطها
بالعلوم الإنسانية، وتأثيرها فيها.

منذ بداية القرن 21 لمسنا تغيرات عل جميع الأصعدة، فسحت المجال واسعا للتحديات وفرص
كثيرة خاصة مع تعاظم قيمة المعرفة وهيمنتها لما لها من أهمية في صناعة الفن والإبداع وتطوير
المجتمعات وذلك بالاستغلال الأمثل للرأس مال البشري، وتنميته تنمية حقيقية ، إذ لا يتأتى ذلك إلاّ
من خلال العملية التعلّمية التي تتيح للمتعلّم مدّ جسور التواصل المعرفي، وتوسيع أفق التفكير وفق
أسس ومناهج نقدية، بحيث يشكّل تقاطعها رؤية نقدية معرفية متكاملة .
وفي الأدب تبنى النصوص وفق رؤى مختلفة، ذلك أنّ النّص منظومة فكرية ثقافية متكاملة، تساهم في
بنائه سياقات وأنساق متعدّدة، تفرض نفسها بالقوّة على المبدع والمتلقي والناقد على وجه الخصوص
في تحمله وزر فكّ شفراته وفق مناهج نقدية معادلة أو مواربة له في الوقت نفسه، سعيا لاحتواء حمولاته
واستيعابها، وبما أنّ العلوم والمعارف تتقاطع وتتكامل في محاولة بناء رؤية إنسانية وكونية شاملة، فإنّ
حوارها يقتضي إقرار تشريحها وفق رؤية منهجية نقدية معرفية متكاملة، بيد أنّ حوار المناهج النقدية
أو صراعها لافتكاك أحقية التجسيد يفرض في كلتا الحالتين صياغة منهجية، بحيث تتحقّق في ظلّها
المعادلات بين النقد المعرفي والتقاطعات المعرفية في إطار من التكامل بينهما.
لذلك تسعى ورقتنا البحثية إلى تبيان مدى تأثير تكامل المعارف والعلوم وتقاطعها في المناهج
النقدية، و إلى إبراز فضل التقاطعات المعرفية )البينية( من خلال تكامل العلوم والمعارف في إثراء الرؤى
والأبحاث النقدية بما هو مجال خصب لتنويع مدارك الفكر وتوسيع آفاقه و إبداعاته.
أولاُ: )التقاطع، التكامل، النقد( المعرفي: مقاربات في المفهوم:
تشكّل مصطلحات التقاطع، التكامل والنقد منظومة معرفية مشدودة نحو رؤية فكرية تفاعلية
منهجية مترابطة، تنزع نحو التعدّد والاختلاف والشمولية الابستيمية، تتعانق في إطارها العلوم والمعارف،
والتخصصات بفروعها والمناهج على اختلافها لإنتاج مفاهيم أوسع وأشمل، وتوسيع آفاق المعرفة
والإحاطة بها من كلّ طرف لتحقيق التقدم والتطور في مختلف المجالات، ولتبيان هذه الأهمية آثرنا
الإحاطة بهذه المصطلحات وتبيان مدى أهمية اتّساق بعضها ببعض في إنتاج رؤى فكرية، معرفية
وعلمية متكاملة.