Abstract
في ظاهرة نادرة إخفاء مصادر أساسية كثيرة معلومات تاريخية ذكرت في مصدر منفرد أو أكثر، وهي اخبار مهمة ولا غنى عنها، وهو الأمر الذي دفع معه في احيان كثيرة إلى تناول بعضها بالدراسة والتحليل، وقد تكون اشبعت بحثاً، مع أن بعضها لم يصل إلى حكم مقنع قاطع، وتبقى مجرد استنتاجات او تصورات ليس إلا، كدستور المدينة او ما عرف بالصحيفة التي أعلنها الرسول الكريم ()، بعد مقدمه يثرب (المدينة) ورواها ابن إسحاق ( ت 151هـ) في مصنفة الشهير (السيرة النبوية) الذي وصلنا بتهذيب ابن هشام ( ت 218هـ) غير انها مروية دون ذكر السند او وقت هذا الإعلان( )، وتكرر ذكرها فيما بعد في مصدر آخر هو (الأموال) لأبي القاسم ابن سلام ( ت 224هـ) الذي ذكر راويها وهو ابن شهاب الزهري، وأشار إلى وقت إعلانها بعد هجرة الرسول () إلى المدينة مباشرة( )، ولكن دون تحديد سبقها او بعدها عن الإجراءين الآخرين وهما: (بناء المسجد والمؤاخاة) المشهورة بين المهاجرين والأنصار، غير اننا نفاجأ اغفال ذكرها في مؤلفات أساسية، كتاريخ الرسل والملوك للطبري ( ت310هـ) مثلاً، الأمر الذي ساعد على إثارة الشكوك حولها، وكذلك الحال مع معلومات تاريخية أخرى، منها ما تتعلق ببناء مسجد قباء ومصيره ومنزلة الصلاة فيه، وهو قبل بناء مسجد المدينة، وببنائه أن تأكد، يكون هو أول مسجد بني في الإسلام( ) . كذلك الحال مع مواضيع أخرى كثيرة، لا يسع البحث ذكره- ولعل الذي نحن بصدده هو الذي يسمى بـ(المؤاخاة) بين بعض كبار الصحابة وهو من المهاجرين الأوائل، او ما يسمى بـ(المؤاخاة الأولى) التي ذكر عنها إنها تتضمن خبر إقدام النبي () على إعلان تآخي بين اثنين من كبار الصحابة في مكة المكرمة وأثناء الدعوة الإسلأمية التي دامت زهاء ثلاثة عشر عاماً، ولم يشمل هذا الإعلان كل الصحابة، بل اقتصرت على من قدرت لهم الظروف أن يلعبوا دور سياسي فيما بعد، ودخلوا التاريخ الإسلامي من أوسع أبوابه، او تركوا بصماتهم فيه .
ويتبادر إلى الأذهان هنا، ما سبب تجاهل مصادرنا لموضوع حساس كهذا، فهل قضوا بعدم اهميته ان كانت هذه المؤاخاة معلنة فعلاً كأهمية المؤاخاة الأخرى المشهورة بين المهاجرين والأنصار، وكان لها ما يبررها من أسباب اقتصادية واجتماعية واقتضتها الظروف، اي انها عابرة حدثت في مكة والرسول () لا سلطة له فيها، واذا كان ذلك، فان من اعتقد ذلك وقع- فيما يبدو- في خطأ فادح، فالمؤاخاة هذه ليست مجرد ادراك لقوة علاقة بين هؤلاء الصحابة بصورة عامة، وبين اثنين بصورة ولاسيما، وانها مرحلية انتهت بعد الهجرة، بل هي استراتيجية حكمت مصير كل طرف من هؤلاء ووحدت مصائرهم وحددت اتجاهاتهم في المسائل المستقبلية، وبقيا متآخين بعضهم للبعض الآخر وهو ما يتوضح لاحقاً .
ومن جهة أخرى يتصور البعض ان هذه المؤاخاة مزعومة لا أساس لها من الواقع، ومن رواها استخلص العلاقات المشار إليها في هذا الإعلان من واقع التاريخ، اي من التطبيق العملي لتصرفات هؤلاء فيما بينهم، ومع الآخرين من ناحية أخرى، فنسجت خيوط إعلان صادر من النبي لإضفاء صفة القدسية عليه، حدد فيه إقرار أخاء بين كل اثنين عرف عنهم قوة الصداقة، ولم تبطل هذه الأخوة بتصريح او إعلان آخر لعدم وجود مسوغ ما، كما حدث للمؤاخاة الأولى المثبت حدثانها فعلياً، ولكن السؤال هنا الا يعد ذلك افتراء بحق الرسول () ؟ والكذب عليه لا يجوز ؟ وقد يكون أمر مستبعد، ولكن من غير المشكوك فيه تلك العلاقة المصيرية التي ربطت كل اثنين من المشار اليهما في هذا الإعلان، والعمل المشترك بينهما، الذي حدد مسار التاريخ الإسلامي في مرحلة ما، وهو ما سيتبين في هذا البحث
ويتبادر إلى الأذهان هنا، ما سبب تجاهل مصادرنا لموضوع حساس كهذا، فهل قضوا بعدم اهميته ان كانت هذه المؤاخاة معلنة فعلاً كأهمية المؤاخاة الأخرى المشهورة بين المهاجرين والأنصار، وكان لها ما يبررها من أسباب اقتصادية واجتماعية واقتضتها الظروف، اي انها عابرة حدثت في مكة والرسول () لا سلطة له فيها، واذا كان ذلك، فان من اعتقد ذلك وقع- فيما يبدو- في خطأ فادح، فالمؤاخاة هذه ليست مجرد ادراك لقوة علاقة بين هؤلاء الصحابة بصورة عامة، وبين اثنين بصورة ولاسيما، وانها مرحلية انتهت بعد الهجرة، بل هي استراتيجية حكمت مصير كل طرف من هؤلاء ووحدت مصائرهم وحددت اتجاهاتهم في المسائل المستقبلية، وبقيا متآخين بعضهم للبعض الآخر وهو ما يتوضح لاحقاً .
ومن جهة أخرى يتصور البعض ان هذه المؤاخاة مزعومة لا أساس لها من الواقع، ومن رواها استخلص العلاقات المشار إليها في هذا الإعلان من واقع التاريخ، اي من التطبيق العملي لتصرفات هؤلاء فيما بينهم، ومع الآخرين من ناحية أخرى، فنسجت خيوط إعلان صادر من النبي لإضفاء صفة القدسية عليه، حدد فيه إقرار أخاء بين كل اثنين عرف عنهم قوة الصداقة، ولم تبطل هذه الأخوة بتصريح او إعلان آخر لعدم وجود مسوغ ما، كما حدث للمؤاخاة الأولى المثبت حدثانها فعلياً، ولكن السؤال هنا الا يعد ذلك افتراء بحق الرسول () ؟ والكذب عليه لا يجوز ؟ وقد يكون أمر مستبعد، ولكن من غير المشكوك فيه تلك العلاقة المصيرية التي ربطت كل اثنين من المشار اليهما في هذا الإعلان، والعمل المشترك بينهما، الذي حدد مسار التاريخ الإسلامي في مرحلة ما، وهو ما سيتبين في هذا البحث