Abstract
ا يخفى على القارئ لتراث العرب في الأندلس ، اطلاعه على صور مشرقة من صور الإبداع والتألق التي حاول الأندلسيون من خلالها إظهار التفوق والغلبة على المشارقة لا سيما في عنصر الخيال البياني أو ما يسمى بـ ( الخيال التفسيري ) الذي يظهره ابن خفاجة الأندلسي في قوله : (1)
وميّاسَةٍ تُزهَى، وقد خَلَعَ الحَيا عليها، حُلًى حُمراً، وأرديةً خُضرَا
يَذُوبُ لـها رِيقُ الغَمامَةِ فِضّةً ويَجمُدُ، في أعطافِها، ذهَباً نَضرَا
فالمتأمل في هذين البيتين يجد فيهما تفسيراً واضحاً لجمال الزهرة بعيداً عما يسمى بـ ( الخيال الابتكاري ) الذي يعنى بتأليف أمور جديدة ، مما يدل على إن الصورة الفنية في الشعر الأندلسي تتمثل في معظم حالاتها في أشكال البيان العربي وما يحويه من مجاز واستعارة وكناية 0
وهذا التعبير البياني كان محاطاً بالمعاني المبتكرة التي توحي بها الحضارة وانتقاء الألفاظ التي كانت تكوّن مادة لتصوير الطبيعة وإبداعها ، فسجل لهم ذلك تفوقاً واضحاً في أشعارهم على من سبقهم من المشارقة 0
أردنا من خلال هذه المقدمة القول إن الأدب الأندلسي كان له حضور واضح ومتميز على ساحة الأدب العربي في عصوره المتلاحقة ، ولم يبق الشاعر مشدودا بحبل متين نحو أجداده المشارقة ، يرتوي من روافد ثقافتهم ، وينهل من معينها الذي لا ينضب كما ذهب إلى ذلك أحد الدارسين (2) 0 وإنما جدد في موضوعات وأغراض وتأثر بجوانب أخرى ، ومنها بناء القصيدة حين بدأها الشعراء بالوقوف على الأطلال على سنة الأولين احتذاءً بهم لا غير 0
ولا يخفى على القارئ أن لوحة الطلل تمثل رمزاً خالداً ومفصلاً حيوياً في بنية القصيدة الجاهلية ، وهي تجسيد حي للمكان في القصائد الكثيرة التي ورد فيها
ذكرالطلل واستذكار الديار والبكاء عليها 0 وقد عدها ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) من الأسس النفسية المعتمدة في منهج القصيدة العام ، والأنموذج الأمثل الذي يحتذى به من قبل النقاد القدامى (3)0 لا سيما بعد أن أصبح الافتتاح بها نافذة على أمس المشاعر وصورته التي تلح على الذاكرة في لحظات الإبداع 0
وظل الشعراء على امتداد عصور الأدب ملتزمين بهذا النهج وإلا فأنهم يعابون على ذلك ، لان مقصد القصيد ابتدأ بذكر الديار والدمن والآثار فبكى وشكا و خاطب الربع و استوقف الرفيق (4) 0 وتمسك الأندلسيون بهذا النمط من الالتزام وقد بلغ من شدة التزامهم أنهم كانوا يعيبون من يشذ عنه وقد يعنفونه ، فعندما مدح هلال ألبياني ابن حمدين بقصيدة أولها :
وميّاسَةٍ تُزهَى، وقد خَلَعَ الحَيا عليها، حُلًى حُمراً، وأرديةً خُضرَا
يَذُوبُ لـها رِيقُ الغَمامَةِ فِضّةً ويَجمُدُ، في أعطافِها، ذهَباً نَضرَا
فالمتأمل في هذين البيتين يجد فيهما تفسيراً واضحاً لجمال الزهرة بعيداً عما يسمى بـ ( الخيال الابتكاري ) الذي يعنى بتأليف أمور جديدة ، مما يدل على إن الصورة الفنية في الشعر الأندلسي تتمثل في معظم حالاتها في أشكال البيان العربي وما يحويه من مجاز واستعارة وكناية 0
وهذا التعبير البياني كان محاطاً بالمعاني المبتكرة التي توحي بها الحضارة وانتقاء الألفاظ التي كانت تكوّن مادة لتصوير الطبيعة وإبداعها ، فسجل لهم ذلك تفوقاً واضحاً في أشعارهم على من سبقهم من المشارقة 0
أردنا من خلال هذه المقدمة القول إن الأدب الأندلسي كان له حضور واضح ومتميز على ساحة الأدب العربي في عصوره المتلاحقة ، ولم يبق الشاعر مشدودا بحبل متين نحو أجداده المشارقة ، يرتوي من روافد ثقافتهم ، وينهل من معينها الذي لا ينضب كما ذهب إلى ذلك أحد الدارسين (2) 0 وإنما جدد في موضوعات وأغراض وتأثر بجوانب أخرى ، ومنها بناء القصيدة حين بدأها الشعراء بالوقوف على الأطلال على سنة الأولين احتذاءً بهم لا غير 0
ولا يخفى على القارئ أن لوحة الطلل تمثل رمزاً خالداً ومفصلاً حيوياً في بنية القصيدة الجاهلية ، وهي تجسيد حي للمكان في القصائد الكثيرة التي ورد فيها
ذكرالطلل واستذكار الديار والبكاء عليها 0 وقد عدها ابن قتيبة ( ت 276 هـ ) من الأسس النفسية المعتمدة في منهج القصيدة العام ، والأنموذج الأمثل الذي يحتذى به من قبل النقاد القدامى (3)0 لا سيما بعد أن أصبح الافتتاح بها نافذة على أمس المشاعر وصورته التي تلح على الذاكرة في لحظات الإبداع 0
وظل الشعراء على امتداد عصور الأدب ملتزمين بهذا النهج وإلا فأنهم يعابون على ذلك ، لان مقصد القصيد ابتدأ بذكر الديار والدمن والآثار فبكى وشكا و خاطب الربع و استوقف الرفيق (4) 0 وتمسك الأندلسيون بهذا النمط من الالتزام وقد بلغ من شدة التزامهم أنهم كانوا يعيبون من يشذ عنه وقد يعنفونه ، فعندما مدح هلال ألبياني ابن حمدين بقصيدة أولها :