Abstract
توطئة
تتناول هذه الدراسة بالعرض والتحليل جوانب مهمة من أحوال اليهود في اسبانيا (قبل الفتح الإسلامي) و(إبان الحكم الإسلامي) و(بعد نهاية الحكم لإسلامي). والغاية من وراء ذلك تسليط الضوء على أوضاع اليهود في اسبانيا في ظل أنظمة الحكم التي مرت عليها. ظل اليهود تحت الحكم الروماني والقوطي نحو ستة قرون، وتحت الحكم الإسلامي المدة نفسها، واقل منها بقرن تحت الحكم الملكي ثم الجمهوري .وتمتاز اسبانيا ( شبه جزيرة ايبرية Iberian Peninsula ) بأنها ارض مرتفعة، جافة، قليلة الأنهار، تقطعها الجبال الى جيوب معزولة، ومناخ مناطقها الشمالية شبيه بمناخ جنوب فرنسا( بلاد الغال)، أما مناخ القسم الجنوبي منها فشبيه بمناخ شمال افريقية (1).سكنتها قبائل الوندال (Vandals)، ثم سيطرت عليها قبائل القوط(Goths) التي نزحت من شمالي أوربا، وهذه القبائل(الوندال والقوط ) تتشابه في الدين والعادات والأخلاق والتقاليد(2)، مما يدل على أنها ترجع في الأصل إلى أرومة واحدة.وفي عام (93هـ/712م) أصبحت شبه جزيرة أيبيرية بيد المسلمين بعد السيطرة عليها من قبل موسى بن نصير وطارق بن زياد. وقد استمر الوجود العربي حتى عام (897هـ/1495م)، إذ انهي على يد الملك اراغون وزوجته الملكة ازابيلا. وهذه العهود الثلاثة التي عاشها اليهود في اسبانيا تظهر مدى تسامح المسلمين مع اليهود، وصلاح أمر اليهود بدرجة لم تتحقق في العهدين الآخرين، بل ان اليهود عاشوا الغبن في المرحلة الأولى، والظلم في المرحلة الأخيرة.ان هذه الدراسة تفيد الباحثين والدارسين المعنيين بـ(الدراسات الأندلسية)، فتتبع اليهود وأثرهم في الحياة الأندلسية يعطي صورة واضحة في مجال الدراسات التاريخية والأدبية والاجتماعية ولاسيما في مرحلة الحكم الإسلامي للمساحة الواسعة التي حصل عليها اليهود على مختلف الصعد، فظهر منهم السياسيون والقضاة والشعراء والكتاب وغيرهم من طبقات النابهين هذا، ونحن لا ندعي الكمال وتمام الاستيفاء، بل نترك الباب مشرعة لمن يريد أن يزيد أو يعمل عملا مماثلا، راجين من الله تحقيق الفائدة من البحث، والله ولي العلماء والعاملين بإحسان.في تاريخ وصول اليهود الى اسبانيا واستقرارهم فيها اكثر من رأي؛ فيرى (عبد المالك التميمي)(3) انهم هاجروا مع الكنعانيين (الفينيقيين) قبل الميلاد من بلاد الشام عن طريق سواحل شمال افريقية، ويبدو أن هذا الرأي بعيد بعض الشيء عن الصحة، من غير المتوترة عبر التاريخ بين الفينيقيين واليهود، علما أن اليهود لا يمكن أم يهاجروا بلا ضغط كبير من أماكنهم المقدسة، سواء كان هذا الضغط سياسياً او نتيجة عوامل طبيعية. ويرى كرايزل (Soloman Grayzel) أن أول اتصال بين اليهود وأوربا الغربية كان عبر روما سنة (160 ق.م)، وازدادت أعدادهم في القرن الأول قبل الميلاد إذ قدر عددهم بخمسين ألفا في مدينة روما، وتركز نشاطهم في الأعمال التجارية والحرف الصناعية بوصفهم باعة متجولين في معسكرات الجيش الروماني، ثم دخلوا اسبانيا بعد أن أصبحت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية(4). ولعل وصول اليهود وانتشارهم في مناطق كثيرة من العالم ومنها اسبانيا، يرجع الى الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل الإمبراطورية الرومانية التي هاجمت بيت المقدس (أورشليم) وهدمت معبد (هيكل سليمان) سنة
(70م)(5) بقيادة الإمبراطور تيتوس (Titus) (40- 81م)، ثم تتبعهم في المناطق القريبة من بلاد الشام وشمالي شبه الجزيرة العربية ومصر وافريقية. أما اليهود
تتناول هذه الدراسة بالعرض والتحليل جوانب مهمة من أحوال اليهود في اسبانيا (قبل الفتح الإسلامي) و(إبان الحكم الإسلامي) و(بعد نهاية الحكم لإسلامي). والغاية من وراء ذلك تسليط الضوء على أوضاع اليهود في اسبانيا في ظل أنظمة الحكم التي مرت عليها. ظل اليهود تحت الحكم الروماني والقوطي نحو ستة قرون، وتحت الحكم الإسلامي المدة نفسها، واقل منها بقرن تحت الحكم الملكي ثم الجمهوري .وتمتاز اسبانيا ( شبه جزيرة ايبرية Iberian Peninsula ) بأنها ارض مرتفعة، جافة، قليلة الأنهار، تقطعها الجبال الى جيوب معزولة، ومناخ مناطقها الشمالية شبيه بمناخ جنوب فرنسا( بلاد الغال)، أما مناخ القسم الجنوبي منها فشبيه بمناخ شمال افريقية (1).سكنتها قبائل الوندال (Vandals)، ثم سيطرت عليها قبائل القوط(Goths) التي نزحت من شمالي أوربا، وهذه القبائل(الوندال والقوط ) تتشابه في الدين والعادات والأخلاق والتقاليد(2)، مما يدل على أنها ترجع في الأصل إلى أرومة واحدة.وفي عام (93هـ/712م) أصبحت شبه جزيرة أيبيرية بيد المسلمين بعد السيطرة عليها من قبل موسى بن نصير وطارق بن زياد. وقد استمر الوجود العربي حتى عام (897هـ/1495م)، إذ انهي على يد الملك اراغون وزوجته الملكة ازابيلا. وهذه العهود الثلاثة التي عاشها اليهود في اسبانيا تظهر مدى تسامح المسلمين مع اليهود، وصلاح أمر اليهود بدرجة لم تتحقق في العهدين الآخرين، بل ان اليهود عاشوا الغبن في المرحلة الأولى، والظلم في المرحلة الأخيرة.ان هذه الدراسة تفيد الباحثين والدارسين المعنيين بـ(الدراسات الأندلسية)، فتتبع اليهود وأثرهم في الحياة الأندلسية يعطي صورة واضحة في مجال الدراسات التاريخية والأدبية والاجتماعية ولاسيما في مرحلة الحكم الإسلامي للمساحة الواسعة التي حصل عليها اليهود على مختلف الصعد، فظهر منهم السياسيون والقضاة والشعراء والكتاب وغيرهم من طبقات النابهين هذا، ونحن لا ندعي الكمال وتمام الاستيفاء، بل نترك الباب مشرعة لمن يريد أن يزيد أو يعمل عملا مماثلا، راجين من الله تحقيق الفائدة من البحث، والله ولي العلماء والعاملين بإحسان.في تاريخ وصول اليهود الى اسبانيا واستقرارهم فيها اكثر من رأي؛ فيرى (عبد المالك التميمي)(3) انهم هاجروا مع الكنعانيين (الفينيقيين) قبل الميلاد من بلاد الشام عن طريق سواحل شمال افريقية، ويبدو أن هذا الرأي بعيد بعض الشيء عن الصحة، من غير المتوترة عبر التاريخ بين الفينيقيين واليهود، علما أن اليهود لا يمكن أم يهاجروا بلا ضغط كبير من أماكنهم المقدسة، سواء كان هذا الضغط سياسياً او نتيجة عوامل طبيعية. ويرى كرايزل (Soloman Grayzel) أن أول اتصال بين اليهود وأوربا الغربية كان عبر روما سنة (160 ق.م)، وازدادت أعدادهم في القرن الأول قبل الميلاد إذ قدر عددهم بخمسين ألفا في مدينة روما، وتركز نشاطهم في الأعمال التجارية والحرف الصناعية بوصفهم باعة متجولين في معسكرات الجيش الروماني، ثم دخلوا اسبانيا بعد أن أصبحت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية(4). ولعل وصول اليهود وانتشارهم في مناطق كثيرة من العالم ومنها اسبانيا، يرجع الى الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل الإمبراطورية الرومانية التي هاجمت بيت المقدس (أورشليم) وهدمت معبد (هيكل سليمان) سنة
(70م)(5) بقيادة الإمبراطور تيتوس (Titus) (40- 81م)، ثم تتبعهم في المناطق القريبة من بلاد الشام وشمالي شبه الجزيرة العربية ومصر وافريقية. أما اليهود