Al-Qadisiyah Journal For Humanities Sciences

كان الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ حاضرا ً في أحاديث الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ وخطبه وأقواله ، بوصفه خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وبوصفه الإمام والقدوة والأب ثانيا ً ، وكان حضوره سيرة وعلما ً وإيمانا ً ، سبيلا ً الى الرد على الخصوم الذين عاصرهم الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ ، حينما سعوا جاهدين الى تلبيس الحقائق مع بعضها ، وقلبها إن أمكنهم ذلك ، لينالوا من الإمام علي ـ عليه السلام ـ ، بما يوحي باضطراب فكري وعقائدي شاب بعض العقول والنفوس عصرئذ ٍ .
وقد انبثق ذكر الإمام علي ـ عليه السلام ـ عند الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ من سابقته في الإسلام ، وجهاده مع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، من جهة ، ومن حاجة الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ الى هذا السفر الخالد ، ليبطل به الدعاوى المضللة التي روّجها بعض الخصوم من جهة اخرى .
جاء ذكر الإمام علي ـ عليه السلام ـ منتظما ً في الموضوعات التي طرقها الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ ، لغنى هذا الذكر ، ولقدرة الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ على استثماره في المواقف التي احتاج إليه فيها . وقد وضعه في ثوب فني ، ورداء معرفي ، تلقّفه المحبون ، ووقف أمامه الخصوم حائرين ، لوثاقته ، ولقدرة الإمام الحسن ـ عليه السلام ـ على استثماره فكريا ً وعقائديا ً وجماليا ً بما كشف الغطاء الذي ستر به بعض الخصوم مواقفهم ، وخاصة في المفاخرات التي أضطر الإمام ـ عليه السلام ـ الى الدفاع فيها عن الحق ، ودحض حجج المناوئين .

الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير الأنام أجمعين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وبعد :
فقد كان من نعم الله تعالى علينا أن نضع ما نملك من طاقات علمية أكاديمية متواضعة في خدمة أئمة المسلمين الهداة المهديين، وإظهار علومهم على صعيد البحث الأكاديمي ، فلطالما ظلمت الجامعات العراقية والباحثون من حرمان شرف البحث في تراثهم العظيم ، ولا ريب في أن لكم الشرف أيها الإخوة القائمون على إقامة مثل هذه المؤتمرات العلمية النوعية وإتاحة مثل هذه الفرص للباحثين ، ولاسيما في مؤتمر خاص بالحسن الزكي عليه السلام . تضمنت دراستي جانبا أدبيا لافتا في لغة الإمام الحسن عليه السلام استبطن عظم المأساة التي عاشها سلام الله عليه وهو لغة المفارقة في كلامه فكان البحث بعنوان ( المفارقة في كلام الإمام الحسن ) وتضمن تمهيدا عرض لمفهوم المفارقة وتفاصيلها ، ثم الدراسة الجوهرية التي شملت آليات المفارقة وحددها البحث بثلاث آليات هي :

إذا كانت جدليةُ العقلِ (الـمُستَثْمِر) والنصِّ القرآنيِّ (ميدان الاستثمار الدلالي) تتسم بسمة التواصل والديمومة بناءً على حاجة العقل واكتناز النص؛ إذ غالباً ما يلجأ العقلُ الإنساني إلى الغوص في جوف التعبير المقدس لاستنباط حلٍّ لمشكل خارجي أو لاستلهام منطق سلوكي يُقوِّم منظومة الأداء التعاملي للإنسان سواء أكان مع خالقه أم مع نظيره الآخر أو مع نفسه ذاتاً، فإنَّه لابد -والحال هذه- من أنْ يتأمَّل في النص السماوي ويطيل النظر حتّى يتسنى له أنْ يقتنصَ المطلبَ الدلالي الذي يبتغيه؛ من هنا كانت الحاجة إلى تفسير النص والتَّعرف إلى معناه سمة افتقارية لدى الإنسان وصفة اثرائية لدى النص؛ لهذا يمكن أنْ يُقالَ بأنَّ النص هو الداعمُ للإنسان والـمُمَولُ له من اجل قيمومة الحياة وصولاً إلى منطق الأنموذج الاسمى الذي تبتغيه السماء من الإنسان، وعليه يعدُّ التفسير حاجة أصل يسعى العقل البشري إلى تحقيقها من النص القرآني؛ غير أنَّ هذا (التحقيق) لا يكفي ما لم يشتمل على عامل (التَّحقُّق) من النتاج الدلالي (التفسيري) الـمُستَنْبَط من النص؛ إذ ليست الغاية هي البحث عن المضمون الاكتنازي في التعبير المقدس فحسب بقدر ما تتكامل الغاية في التَّحقُّق من مدى صحة هذا المضمون ومدى مصداقية استنباطه من النص؛ فالغاية من التفسير ليست أدائية بقدر ما هي غائية تَحقُّقية؛ لأنَّ فهمَ ذلك النص منطقٌ أصلٌ لفهم الحياة الإنسانية نفسها؛ فإذا كان النتاج المضموني الـمُستَنْبَط من النص القرآني صحيحاً كان فهم الحياة وكيفيات التعامل فيها موافقاً لصحة المضمون الـمُستَنْبَط بالمحصلة والحال هذه؛ من هنا احتيج إلى عامل التَّحقُّق من النتاج المستخرج من النص بالضرورة والإلزام بحكم الغاية المنشودة منه.

لا شكّ في أنّ الإسلام هو دين الحريّة وإعمال الفكر، وتجسيد بحقٍ للإنسانية وعظمتها؛ ولانّ التخيل هو أجمل مظهر في إنسانيتنا، فإنّ تحريره وتنشيطه لا يزال من أهم وظائف الفنون القولية والبصرية، وبخاصة بعد أن صارت الحريّة بؤرة منظومة القيم التي تحكم مسيرة الإنسان الحضاري، وتحدد إستراتيجية الوجود؛ فلا عجب أن تستعمله الذات الواعية -المتمثلة بشخصية امام معصوم ورث عن ابيه وجدّه علم الاولين والآخرين- وسيلةً لإثارة النفس وتنشيط العقل، من خلال ممارسة بعض التأثير على المتلقي، إذ هو- نعني الخيال- فاعلية نفسية بالدرجة الأولى مشحونة بقصديّة معيّنة، أي أنها ترسم الهدف سلفاً وتوجٍّه مشاعر المتلقي إلى وجهة معلومة سواء تنفير المتلقي من موضوع ما، أو ترغيبه فيه، ولا ينفكّ المبلّغ الأديب في تصوير الشيء وتخيله للمتلقي كأنه محسوس ومنظور اليه، ويتوسّل إلى فكره بلغة تثير الإحساسات في الأذهان، فينتقي مما حوله ما يلائم التجربة الجمالية التي يعمل على صياغتها، على أساس أنّ الأدب يمثِّل إحدى الوسائل التي تعين على غرس القيم الأخلاقية والتربوية في النفس الإنسانية، لما يحويه من قيم جمالية تبعث على اللذة والمتعة؛ لذلك سندرس في هذا البحث أهم الوسائل التي اعتمدت الخيال ركيزة وأساسا لأداء الوظيفة التعبيرية و تكوين الصورة الفنية، وهي التشبيه والاستعارة والكناية، وما يمكن تلمسه من قيمة جمالية اكسبها إياها الخيال والتصوير الفني، مولدا من خلالها لذة حلوة وحسّا جماليا راقيا، يتضح بها الكلام ويبتعد عن الغموض فضلا عن انها وسائل مهمّة لتزيين الكلام، سائلين المولى عزّ وجل التوفيق؛ لانه من وراء القصد.

يعد إبن عساكر(ت: 571هـ/1175م) من أبرز مؤرخي القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، وله عدة مصنفات، نذكر منها (تأريخ مدينة دمشق) الذي نال شهرة واسعة وعظيمة، لاسيما في التراجم التي تشعبت مواضيعها فيه .
والإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)(ت: 50هـ/670م) من الشخصيات الإسلامية البارزة على مر العصور، لمواقفه وثباته على مبادئ الإسلام، كونه كان أنموذجاً رائعاً في معالجة مشاكل المجتمع العربي الإسلامي من خلال اعتماده على رجاحة عقله وحكمته في حل الأزمات التي واجهته، ولهذا وجدنا من المناسب مناقشة العلل الواردة في الروايات المتعلقة بوصف الإمام الحسن (ع) بالمزواج والمطلاق، إذ ذكر إبن عساكر في مؤلفه المذكور انه تزوج من تسعين امرأة، فضلاً عن إنفاقه الأموال من اجل الزواج. ولتوضيح ذلك وقفنا على دراسة الروايات الواردة في كتاب (تاريخ مدينة دمشق) لتحليلها وتمحيصها، واثبات العلل في قسم منها.يُ

الْمُقَدِّمَةُ
سبحان ذي العزّ الشامخ المنيف، سبحانَ ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحانَ ذي الملك الفاخر القديم، سبحانَ من لبس البهجة والجمال، سبحان من تردّى بالنور والوقار، سبحانَ من يرى أثر النّمل في الصفاء، سبحانَ من يرى وقع الطير في الهواء، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره، والصّلاة والسّلام على أشرف الخلق رسول الهدى النبي الأمين محمّد، وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.
وبعدُ ...
فكتاب الله العظيم مائدته الى خلقه، و( إنّ هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ما استطعتم إن هذا القرآن هو حبل الله والنور المبين والشفاء النافع عصمة لمن تمسّك به ونجاة لمن اتبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الردّ فاتلوه؛ فإنّ الله تعالى يأجركم على تلاوته بكلّ حرف عشر حسنات، أمّا إنّي لا أقول آلم حرف، ولكن ألف ولام وميم ولا الفين أحدكم واضعا إحدى رجليه يدع أن يقرأ سورة البقرة؛ فإنّ الشيطان يفرّ من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة، وإنّ أصفر البيوت لجوف أصفر)(كنز العمال، المتقي الهندي 1/ 526).

يعد إبن عساكر(ت: 571هـ/1175م) من أبرز مؤرخي القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، وله عدة مصنفات، نذكر منها (تأريخ مدينة دمشق) الذي نال شهرة واسعة وعظيمة، لاسيما في التراجم التي تشعبت مواضيعها فيه .
والإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)(ت: 50هـ/670م) من الشخصيات الإسلامية البارزة على مر العصور، لمواقفه وثباته على مبادئ الإسلام، كونه كان أنموذجاً رائعاً في معالجة مشاكل المجتمع العربي الإسلامي من خلال اعتماده على رجاحة عقله وحكمته في حل الأزمات التي واجهته، ولهذا وجدنا من المناسب مناقشة العلل الواردة في الروايات المتعلقة بوصف الإمام الحسن (ع) بالمزواج والمطلاق، إذ ذكر إبن عساكر في مؤلفه المذكور انه تزوج من تسعين امرأة، فضلاً عن إنفاقه الأموال من اجل الزواج. ولتوضيح ذلك وقفنا على دراسة الروايات الواردة في كتاب (تاريخ مدينة دمشق) لتحليلها وتمحيصها، واثبات العلل في قسم منها.يُ

الخلاصة:
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد الصادق الأمين ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين .
وبعد ..
عند دراسة أي شخصيّة إنسانيّة – مهما كانت – ندرسها وفق الظروف المحيطة بها والمؤثرة في مسيرتها ، فكيف بكيان النُبل والخير والعطاء ألا وهو كيان أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
ومن المعلوم أن ظروفهم وحالاتهم كانت قاسيّة ومؤلمة ، وقد تمثّلت تلك الظروف بالقادة والسّاسة غير الشرعيين الذين جعلوا أهل البيت ( عليهم السّلام ) نصب أعينهم ؛ وما ذلك إلا لأنهم ( عليهم السلام ) يمثّلون المعارضة الشرعيّة الحقّة للباطل ، والصوت المدوّي الوحيد بوجه الحاكم الظالم المُسيطر على رقاب المسلمين الذي لا تأخذهم في الله لومة لائم .

الخلاصة:رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، لقد بذلتم مهجكم من أجل اعلاء كلمة لا إله الا الله ، فالثورة التي فجرها الاسلام لم تكن إلا ثورة ثقافية ، قبل أن تكون ثورة اقتصادية أو اجتماعية ، وهذا الامر الذي جعل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يفرغون انفسهم لتربية هذه الامة وتعليمها مفاهيم الرسالة السماوية السمحاء ، وقيمها الجليلة ، وهم يرون ان مهمتهم الاساس هي التربية والتثقيف . وهذا هو الذي جعل الامويين يصبون عليهم جام غضبهم وحقدهم البغيض ، حتى انهم لم يتركوا وسيلة الا واعتمدوها في تنغيص الحياة عليهم وتعذيبهم ، بل وقتلهم لان وجودهم هو انهاء الحكم الزائف مثلما حصل للامام الحسن (عليه السلام) اذ أنه قد تعرض لمحاولات اغتيال بالسم لمرات عدة . آخرها الذي أودى بحياته عن طريق زوجه جعدة و بغواية معاوية لها .

من المعلوم ان طبيعة تعامل الامام علي عليه السلام مع ابنه الامام الحسن عليه السلام قائمة اساسا" على ما يفهمانه وليس على ما يفهمه الناس بيد ان هذا الامر لم يمنع الامام علي عليه السلام في وصاياه لابنه ان يجعله الاداة والمرأة العاكسة لما كان يريده اهل البيت من المسلمين فأن تلك الوصايا وجهت الى الرعية في المقام الاول ولكن عن طريق اب مثالي لابن مثالي ثم للناس الذين ينبغي ان يبحثوا عن المثالية.
ما درسناه في هذه الوصايا الواردة في نهج البلاغة هي المقاصد الخاصة بتربية البديل الناجح والناجع في القيادة على مختلف المستويات السياسية والادارية وحتى الاجتماعية ، اذ ان ما طرح في النهج من وصايا للامام الحسن من ابيه عليهما السلام هو دستور تربوي متكامل في اعداد القيادات ، وابرز ملامحه ما يخص ترسيخ المفاهيم وبيان مدلولاتها لان الامام عليه السلام اراد ان يعالج واقع مجتمع في طبيعة رؤيته للمفاهيم والذي اثر على صورة المتصدي لذا وضحها للعامة من خلال الامام الحسن عليه السلام.

الخلاصة:
الامام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) كان الثمرة الاولى لزواج الامام علي ( عليه السلام ) من فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فقد نسلته النبوة والامامة كريماً زكياً تقياً ، شجاعاً مجاهداً ...
عاش الامام الحسن ( عليه السلام ) حياة مليئة بالاحداث الجسام وتوزعت حياته على شطرين:
الشطر الاول : قبل امامته ، وكانت على مرحلتين . الاولى : حياته مع جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وامتدت اكثر من سبع سنوات ، وشهد خلالها تكون أول دولة في المدينة المنورة – دولة الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) – التي امتلكت مقومات الدولة العادلة .
والثانية : حياته مع ابيه علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) وامتدت ( 30 ) سنة . شهد فيها عهد ( ابي بكر وعمر وعثمان ) وما فيه من احداث وحروب وصراعات .... ثم شهد دولة ابيه ( عليه السلام ) في الكوفة التي هي امتداد لدولة الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المدينة المنورة .

تناولت في هذا البحث دور أئمة أهل البيت في قيادة العباد وتثبيت القيم الأخلاقية في نفوس الإفراد وتطبيق قوانين الدين الحنيف على أساس الرسالة الربانية للبشرية وقد اخذ الأئمة عليهم السلام على توعية الأمة وتحريك طاقتها باتجاه إيجاد وتصعيد الوعي الرسالي للشريعة ولحركة الرسول وثورته المباركة . فقد جهد الإسلام ومن خلال دعوته المباركة وسيرة رسول الله وقوله وفعله وكدحه المتواصل لبناء أسس مدرسة أخلاقية تربوية فاز بنصيب وافر منها أئمة أهل البيت إلى يومنا هذا ، فقد راحوا ينتهلون من معينها الذي لا يعرف النضوب ويستفيدون من معلمها وأثارها ، وقد أكدت هذه المدرسة الأخلاقية الكبرى القيم العالية والمبادئ الأخلاقية الرصينة في كل مبادئ الحياة المادية منها والمعنوية ، وجعلت الروح الأخلاقية حاكمة على جميع السلوكيات سواء أكانت سلوكيات فردية أم جماعية مبينة أثر الأخلاق وقيمها الحسنة والصالحة في حياتنا اليومية والاجتماعية والحضارية ، ولم يتوقف الإسلام عن هذا بل راح يؤكد ايضاً أن الأخلاق هي الأساس الذي بنيت عليه أحكامه ومبادئه ومفاهيمه ، وبالتالي فكل ما يدور حولنا لابد من أن ينطلق من مبدأ أخلاقي سليم وان يهدف إلى مبدأ أخلاقية سليم ، ثم أن هذه المدرسة من ضمن ما نادت به أن تكون أعمالنا وأقوالنا واحدة وان يكون سلوكنا بعيداً عن الأدعات الفارغة البعيدة عن التطبيق العملي حتى قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : ((كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)) فتعلم الأخلاق والدعوة إليها لا يعني مجرد إيصالها إلى الآخرين وإنما يعني التلبس بها حقيقة والتحلي والظهور بها أمام الآخرين أو بدونهم أي في السر والعلن ، ولهذا نادت هذه المدرسة النبوية بما نستطيع أن نسميه بالمسؤولية الأخلاقية ، ولنا في سيرة أئمة أهل البيت ولكثير من الصحابة والصالحين فهو حافل وشاهد على كل ذلك ، وهذا ما سوف نلاحظه في ثنايا البحث الذي جاء مقسماً كالأتي المبحث الأول (تناول الأخلاق في القران الكريم) ، المبحث الثاني ( الأخلاق عند أئمة أهل البيت ) ، والمبحث الثالث ( الأخلاق و الموعظة عند الأمام الحسن (عليه السلام) .

شاع خطأ في الروايات التاريخية اطلاق تسمية ما جرى بين الإمام الحسن (ع) وبين معاوية مصطلح (الصلح) ولو رجعنا إلى أمهات كتب اللغة لوجدنا أن الصلح يعني القطع في الأمور ولعل لكل قارئ متفحص في التاريخ سيجد أن الأمر الذي اتفق عليه الإمام الحسن (ع) لم يكن سوى هدنة إلى أمر محدد تنتهي بهلاك معاوية ، وإذا عرفنا بأن الرواية التاريخية التي تخص هذه الحقبة التاريخية قد دونت بأيدي كتاب السلطة الأموية ووعاظ السلاطين لأصبح الأمر واضحاً لدينا عن سبب اطلاق هذه التسمية على قضية الهدنة فالأمر لم يكن سوى إيهام القارئ للتاريخ على أن الإمام الحسن صالح معاوية وسلم له الأمر وزادت الضبابية التي طبعت بها بنود الهدنة واختلاف المؤرخين على بنودها لكي تزيد من مظلومية الإمام الحسن (ع) وترفع من شان معاوية الذي أصبح له الحق بموجب تلك الضبابية والشبهات التي أحاطت ببنود الهدنة في أن يبايع من بعده ليزيد واستخدم الحديث النبوي كما سنرى لاحقاً بامتياز لاضفاء المشروعية على تصرفات معاوية فيما بعد .

من خلال هذا البحث المقتضب بمجريات الصلح الذي تم عقده بين الإمام الحسن ومعاوية ونكول معاوية عن الإيفاء بالتزاماته تجاهه يمكن ان نؤكد على ما يلي :
1- ان مسألة الصلح الذي تم بين الإمام ومعاوية لم يكن نابعاً عن رغبة من الإمام , ولكن المرحلة التي عاشها الإمام أفرزت هذه النتيجة التي لا مناص من اختيارها وذلك لأسباب كثيرة أهمها إصرار معاوية وتجنيده لكل الطاقات المالية والعسكرية والإعلامية في إبعاد الإمام عن دكة الحكم مما ساعد عن سوء فهم أصحاب الإمام في معرفة الامر إضافة إلى طمعهم في السير خلف معاوية وترك الإمام .
2- على الباحثين والكتاب بمسألة الصلح هذا أن يفصحوا جلياً عن أغراض بني أمية في هدم عرى الإسلام والابتعاد عن القرآن العظيم والنبي الكريم  ونصب العداء له  ولأهل بيته مهما كانت النتائج والتضحيات .
3- إن مسألة الصلح لم تتضح لكثير من الناس وأهل السواد إلى يومنا هذا , ولعل الجميع يأثم إذا لم يبادر الشارد والوارد من حملة الأقلام في بيان كنهه وما خفي أعظم فابتعاد بين أمية وخصوصاً معاوية ويزيد وبقية المقربين منهم عن قيم الدين والشرف والاخلاق والعدل أزاحوا كل ما يتعلق بهذه الصفات جانباً وفضلوا مآربهم في تقتيل آل الرسول  وسلب حقوقهم التي أمر بها الله تعالى والقرآن العظيم .
4- والدعوة الأخيرة ان يخاطب ذوي العقول بأن تتضح مفاصل هذا الصلح وأهدافه ومسبباته ونتائجه بعمق وفهم وتفسير وتحليل جوانبه ليفهمه المغفلون وأن تتضح هذه النتائج ويتم تعميمها ونشرها , والدعوة على الاطلاع عليها بعمق كي لا يظلم الإنسان نفسه في لصق التهم لإمام أراد له الله أن يسمو وهو أحد الذين حملهم رسول الله  على كتفه في حلَِّه وترحاله وفي صلاته ومحافله وطالما أشبعه حباً ووداً وتعظيماً .