Abstract
المقدمة
الاسلام نبه إلى أهمية تبني التكافل في مفهومه الشامل, ولم يختزله في جانب المعاش دون سواه من الجوانب الأخرى التي هي لازمة لاستصلاح المجتمع, حيث ينهض هذا البناء على أسس عقدية ودينية, وحقائق حياتية تتعلق بالمعايش والأقوات, ويغطي جنبات الأمور المادية والمعنوية, على نحو يتجلى فيه شعور الجميع بمسئولية بعضهم عن بعض.. وهو ملمح مهم على الرقي الحضاري المؤسس على غرس الوازع الديني في المسلم, ولا شك أن هذا الشعور يؤكد حقيقة أن مصلحة الفرد تنبع من انتمائه للجماعة, وأن الجماعة يقوي كيانها من تلبيتها مصلحة الفرد, ومن مجموعها يقوم بناء المجتمع, وتتماسك قوى الامة.. وترتيبا على هذه الحقيقة يمثل التكافل الاجتماعي أحد عمد المنظومة الاسلامية, والأساس القوي لبناء صرح مجتمع متماسك البنيان, ومن ذلك يتقرر أن التكافل في المنظور الشرعي إنما هو فريضة وليس مجرد فضيلة, وأنه حق وليس منحة, فقد عنيت به النصوص وشددت عليه مناطه أنه أحد موازين العدالة المجتمعية, بمقتضى أنه يقوم بدور ملموس في تصحيح الاختلالات الناشئة عن الفروق الفردية والتفاوت الطبقي في الشؤون المادية ومكانة الفرد في البيئة الاجتماعية, وهو ما يتمخض عنه تشييد مجتمع يتمتع بالصحة الدينية والبدنية والنفسية, ولقد تنامى هذا النط من المسئولية المجتمعية النابعة من أعظم قوة في الوجود – القوة العقدية – التي أبرزت الخاصية المميزة للمجتمع الاسلامي التي عبر عنها الحديث الشريف : (( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا )) وقوله : (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) .. وكان هذا النموذج المتفرد للمجتمع التكافلي الذي أقامه الاسلام كائنا حيا على أرض الواقع, جمع بين المثال والواقع, والروح والمادة في نسق متوازن, احتشدت فيه القوى البشرية على اختلاف أجناسها وأديانها وألوانها.. فالتكافل في الإسلام يقوم على أسانيد راسخة تشمل العناية بالجوانب الشخصية, والحاجات الإنسانية في عمقها المادي والوجداني, والفردي والجماعي, بما يعلم على كفالة شؤون الفرد ومتطلبات الجماعة, وهو ما يضمن التماسك الاجتماعي, ويوفر مقومات الأمن المجتمعي.. وهكذا أراد الله تعالى من المجتمع أن يكون وحدة متراصة فيما بينها, لتحقيق السعادة والنمو والتكامل ..