Abstract
مقدمةالحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى من تبعهم بإيمان وإحسان الى يوم الدين أما بعد :فإن الله تعالى هيأ لهذه الرسالة من يحملها حق حملها , ويتكفل برعايتها وعنايتها , بتوفيق الله تعالى إياه , ولم تعرف أمة من الأمم تأريخاً وثقافة وتراثاً حُفِظ , مثلما حُفِظ تاريخ وتراث أمتنا الإسلامية , أكرم بها من أُمة , وأعظم بها من حَضارة .وبشهادة العدو قبل الصديق , لم تحظ أمة من الأمم بعلم كعلم الإسناد , وعلم الجرح والتعديل , اللذينِ يعرف بهما صِدق الأخبار من عدمهِ , وعدالة الرواة من جرحهم كما حظيت به أمة الإسلام , فحق لها أن تفخر بهذين العِلمين , فضلاً عن بقية علومها . فبحق قال المستشرق المحقق مرجليوث (( ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم))( ) . فكان الإسناد من أهم الأسباب التي صان الله بها سنة نبيه , ولله در الإمام عبد الله بن المبارك إذ يقول : ((الإسناد من الدين , ولولا الإسنادُ لقال من شاء ما شاء))( ) .وما كان الله ليدع سنة نبيه عُرضة للأكاذيب والأوهام , فهيأ لها رجالاً ذوي بصيرةٍ ناقدةٍ قيَّدوا شواردها , وجمعوا أوابدها بسلاسل الإسناد , ووضعوا قواعدَ لقبول الأحاديث وردها , وأحصوا الكلمات والعبارات , وأسماء الرواة , وبيَّنوا الضعفاء من الثقات , وأحاطوها بسياج منيع كفل لها البقاء والنقاء على مرِّ العصور . فتمت الهداية باتصال الرواية , وكملت العناية ببلوغ الغاية من الدراية . وهذا يكشف عن صعوبة التعرض لجرح الرواة وتعديلهم , وخطورة التصدر لقدحهم ومدحهم , وأنّهُ لا يُطيقُهُ إلا الجهابذة الأفذاذ , الذين أبلوا شبابهم وأفنوا أعمارهم في طلب العلم , والذب عن سُنة سيد المرسلين محمد , وهم الذين عناهم ابن المبارك – لمّا قيل له : هذه الأحاديث المصنوعة؟[ يعني ماذا ُيفعل معها ]؟ بقوله : ((يعيش لها الجهابذة))( ) .وقد وقع اختيارنا على الإمام ابن حبان البستي للتعرض لدراسة منهجه والوقوف على حقيقة أمره ، لشدة ما تعرض له منهجه من نقد من قبل العلماء وغير العلماء ، فمرة يتهم بأنه متساهل في التوثيق لا يلتفت إلى توثيقه بحال من الأحوال ، ومرة يتهم بالتشدد في جرح الرواة فلا يعبأ يجرحه ، وهكذا ، ولما كان مثل هذا الأمر داعيا إلى التوقف ، والانتباه رأينا من المناسب أن نقف مليا أمام هذا العلم الشامخ لنستكشف منهجه من خلال ما كتب هو بنفسه ، دون الالتفات إلى أقوال غيره فيه ، لأننا لسنا بحاجة إلى تلك الأقوال مع وجود أقواله في مؤلفاته ، وبخاصة وقد حُفظت لنا مؤلفاته التي أودع فيها منهجه كاملا في الجرح والتعديل ، ونعني بهما كتابيه "الثقات" و "المجروحين" ، فهل يجوز لنا أن ننظر ونصغي إلى أقوال غيره فيه إذا تقاطعت تلك الأقوال مع ما تبناه في كتابيه اللذين هما مناط البحث والدراسة ؟ .لهذا كله رأينا أن يكون بحثنا منصبا على استكشاف منهج ابن حبان في الجرح والتعديل من خلال كتابيه "الثقات" و "المجروحين" ، وسميناه "ابن حبان بين التشدد والتساهل في جرح الرواة وتعديلهم من خلال كتابيه"الثقات"و"المجروحين"وذلك من خلال دراسة عينات من الرواة الذين تعرض لهم جرحا وتعديلا يتم اختيارهم بشكل عشوائي، وقد اقتضت طبيعة الموضوع أن يكون مشتملا على مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة يتم في المبحث الأول إن شاء الله التعريف بابن حبان بشكل موجز ومركز.وفي المبحث الثاني يتم بحول الله وقوته دراسة نماذج عشوائية ممن ترجم لهم في كتاب "الثقات". للوقوف والتعرف على المسافة التي يبتعد بها ابن حبان عن غيره ممن كتب في الثقات .وفي المبحث الثالث يتم ـ إن شاء الله تعالى ـ دراسة نماذج من الرواة المجروحين يتم اختيارهم بشكل عشوائي لمعرفة مدى تشدده من عدم ذلك بشكل دقيق .وفي الخاتمة نسجل إن شاء الله ما توصلنا إليه من النتائج .ومن الله التوفيق والسداد
Keywords
ابن حبان، التشدد، التساهل، جرح، الرواة، تعديلهم