Abstract
مما لا شك فيه أن علم التفسير من أسمى علوم القرآن وأرفعها كلاماً, والذي يُعد من أقدم العلوم الشرعية التي اهتم المسلمون بفروعها على اختلاف مدارسهم الفقهية, وأولوها عنايةً فائقة, فكان القرآن الكريم مداد من البحر الذي لا تنقضي علومه كلما تناولته مختلف طوائفه باختلاف مدارسها ,وفرقها أفرغوا فيه جُلّ فهمهم وعنايتهم, واجتهدوا فيه غاية الجد والاجتهاد,وبذلوا من أجل تبيين معانيه ,واستيضاح ما أُبهم من معانيه الطاقة والقدرة الكافية؛ فكان حصيلة جهودهم المباركة مجموعة كبيرة من كتب التفاسير القيّمة منها ,ما هو مطوّل مسهب كتفسير (جامع البيان في تفسير آي القرآن )لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224هـ ـ 313هـ ) الذي اشتمل تفسيره على ثلاثين جزءً ,وتفسير الرازي(543هـ ـ 606هـ ) والذي يُعد تفسيره من أُمهات التفاسير الإسلامية بما اعتمده من منهج علمي مبني على الطريقة البلاغية الإعجازية.
وفي المقابل كانت هناك تفاسير موجزة ,ومختصرة تميزت في دقة المعنى , والإيجاز في إرسال العبارة, كتفسير الجلالين؛ لجلال الدين المحلي (ت864هـ ) ,وجلال الدين السيوطي (ت911هـ ) والذي يُعد من أشهر التفاسير الإسلامية المختصرة في العبارة والمعنى ؛فكانت أكثر انتشاراً ونفعاً وأكثرها أهمية على الرغم من صغر حجمها فقد اعتنى به العلماء اعتناءً شديداً؛ إذ ألفوا حوله ما يزيد على تسعة عشر مؤلفاً تفصيلاً وتدقيقاً ونقداً ؛ فظهرت له الحواشي الكبيرة, والكثيرة, والتعليقات الهامة التي شرحته وضحت دقائقه ومعانيه.
ونظراً لأهمية هذا التفسير, والذي يُعنينا في بحثنا هذا من حيث المنهج والأسلوب فقد إرتئينا أن ندرسه إلى جانب تفسير القرآن العظيم للعلاّمة المحقق السيد عبد الله شُبَّر (ت 1242هـ ) وهو من التفاسير المعاصرة التي امتازت بدقة التركيز والإيجاز,والذي رصدت فيهما بعض الظواهر التي تخص التفسيرين من خلال الموازنة بين هاذين التفسيرين المشهورين المختصرين, وما تنطوي عليهما من أدوات التفسير وملامح في الأسلوب والمنهج قسمت من خلاله البحث إلى تسعة مباحث تسبقهم تمهيد ذكرت فيه تعريف المنهج (لغة واصطلاحاً ).
فقد جاء المبحث الأول في أسباب النزول, وفي الثاني:توجيه القراءات, وفي الثالث: التوجيه اللغوي والنحوي في النص القرآني, وفي الرابع :توجيه الصور البلاغية في المعنى القرآني, وفي الخامس: أسلوب الاختصار والإطالة في توجيه المعنى القرآني, وفي السادس :في ذكر الملل والنحل ,وفي السابع :في باب ما أُتفق فيه, وفي الثامن :في باب المسائل الفقهية, وأخيراً في التاسع:في التنبيه على الإسرائيليات ,وكل هذه المباحث جاءت لتوضيح أهم ملامح التفاسير المختصرة بناءً على الاستقراء الكامل لكتابي الجلالين ,وتفسير القرآن الكريم لشُبّر للعلاّمة شُبّر تلونت الآراء التفسيريه بالتوجهات المذهبية التي تبناها المفسرون وهو ما كان له الأثر الواضح في اتجاهاتهم التفسيرية فلم تكن آراءهم في أغلب الأحيان متحررة من مذهبيتهم بدليل بعض النصوص والأدعية التي اعتمدها السيد شُبر في تفسيره أغلبها مرفوعةً إلى أهل البيت (عليهم السلام) بقرينة ما ذهب إليه السيد شُبّر في تفسير قوله تعالى:(وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) والمعنى فيها بالعموم ؛إذ أنه دل على وجود أولي الأمر في كل زمان ,بحيث يجب طاعتهم لعلمهم ,وفضلهم وعصمتهم ,ويرى شبر أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على مذهب الإمامية.