KARBALĀʾ HERITAGE Quarterly Authorized Journal Specialized in Karbalāʾ Heritage

يعنى هذا البحث بالحدیث الموسّع عن كيفيّة تعاطي المحقّق الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني (ت: 1186 هـ) مع ظاهرتین مهمّتین في تاریخ الموروث الحدیثيّ وهما: تعارض الرّوایات، ونقد الحدیث، فسلّطنا الأضواء أوّلًا علی منهج الشّیخ يوسف البحراني في مجال التّعارض والحلول الّتي قدّمها بهذا الشأن، كما عرضنا ثانیًا للحدیث عن المرجّحات المقعّدة میدانیًّا في كتابه الحدائق الناضرة؛ لندرس بعده الانتقادات الّتي سجّلها علی متون بعض الرّوایات الّتي وجد فیها تصادمًا مع مسبقاته الثابتة كلامیًّا أو فقهیًّا.

علماء دين الإسلام معين لا ينضب، وفي وجودهم الخير والبركة أينما حلّوا، وفي كلماتهم الحكمة والنور، وعلى الرغم من العواصف فقد بقي من آثارهم ما يكشف عن عظمة علمهم –رضوان الله تعالى عليهم-.
ومن أبرز الأعلام المجاورين للحائر المقدس الشيخ إبراهيم بن علي الكفعمي المتوفّى سنة 905 هـ، فقد كان تراثه غنيا زاخرا، يشهد بذلك آثاره الواصلة إلينا بين الكتب التي ألفّها وكتب الأقدمين التي لخّصتها يراعته المباركة والكتب التي استنسخها، حتى صار من مفاخر النسخة المخطوطة أنّها بخطّ الشيخ الكفعمي.
يضاف الى ذلك أنّ المرحوم الكفعمي كان عنده مكتبة كبيرة حاوية لمصادر قديمة فُقِدَ أغلبها وبقي اسمها وشيء مما نُقل عنها في كتبه، والبحث الماثل بين يديك يكشف فهرسًا لأعمال هذا الشيخ المبارك ومكتبته.

من أهم مظاهر النهضة العلمية للمدن الإسلامية هي وجود المدارس الدينية، ومن هنا كان اختيار الموضوع: «مدرسة السردار حسن خان القزويني(1180هـ/1767م) مصدرًا من مصادر النهضة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة».
فكان هذا البحث عن تأسيس هذه المدرسة وما قدمته من رفد للنهضة العلمية في مدينة كربلاء المقدسة، من جذب علماء أجلاء وطلاب للعلم والمعرفة ساهموا بتطور الحركة العلمية فيها، حيث كثرت حلقات الدرس والبحث ومجالس الوعظ والمناظرات داخل أروقتها، وخلدت مكتبتها وأوقافها كنوزًا ونفائس الكتب والمخطوطات بالعلوم العقلية والنقلية، كما أنّ تصميم بنائها على وفق الطراز الإسلامي المميز بالزخارف والخطوط المعمارية الجميلة جعلها من أبرز وأعظم المعالم الأثرية التاريخية للتخطيط المعماري الإسلامي في كربلاء المقدسة.

تعد مدينة كربلاء المقدّسة من المدن التي نالت قدسيّتها من سيّد الشهداء أبي الأحرار الحسين بن علي(عليه السلام)، كما تباركت أرضها بدمائه الزاكية. وتفانى في إعلاء شأنها العلمي الحوزوي رجالٌ قد ضحّوا بدمائهم وعيالهم، وكانت الحوزة العلميّة الكربلائيّة قد نهلت علومهم وارتوت من سيل الفكر والتراث العلمي المنبثق من علوم أهل البيت(عليهم السلام).
يعدّ الشيخ الشهيد عبد الرضا الصافي الكربلائي من الرجال الذين يشار لهم بالبنان، وهذا ما اتفق عليه رجال العلم والمعرفة، وهو من الشخصيّات الوطنيّة التي كرسّت جهدها في خدمة الإسلام وأبنائه، حتّى قدّم نفسه شهيدًا من أجل عقيدته، وقد عرف بتوجّهه الحوزوي في السير على نهج الإمام الحسين (عليه السلام)، في رفض الظلم والعبوديّة وعدم المهادنة والركون لنظام قسريّ أراد تكميم الأفواه، كان رفضه الصريح للممارسات المشبوهة، تعبيرًا صادقًا وقويًّا في معارضة أعتى نظام دموي، فضلًا عن ذلك لقد وظّف الصافي فكره وقلمه في زعزعة النظام وإرباك مضاجعه، وهو يصف واقع حال الوطن من مأساة وظلم.
وختامًا لا يمكن القول إنّنا أعددنا دراسة متكاملة عن شخصية الصافي، فذلك طموح يصعب الوصول إليه وإنّ دراسة هذا الموضوع مازال مجاله واسعًا أمام الباحثين آملين من الإخوة الباحثين أن يتناولوا تراث كربلاء بشخصياتها الكرام.

أصبحت كربلاء بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) مقصدًا للزوار من محبي أهل البيت(عليهم السلام)، كما قصد مجاورتها عدد كبير منهم فتشكل شيئًا فشيئًا نواة مدينة صغيرة وتحولت بعد قرونٍ إلى مدينة دينيّة كبيرة و نشأت فيها حوزة علمية فصارت مأوى أفئدة العلماء وطلبة العلم من كلّ حدب وصوب لينهلوا من علومها، حيث ضمّت بين أحضانها كثيرًا من العلماء والأسر العلمية التي أدّت دورًا بارزًا ومهمًّا في الدفاع عنها، والمساهمة في نهضتها العلمية والفكرية، وكان لهم دورٌ كبير في الأحداث التي حصلت في عصرهم، ومن هذه الأسر أسرة آل الداماد: وهي كلمة فارسية تعني الصهر باللغة العربية، وعرف آل الداماد بالسيد محمد صالح ابن السيد حسن ابن السيد يوسف الموسوي الحائري الشهير بالسيّد صالح عرب المعروف بالداماد، لمصاهرة والده العلامة السيد علي الطباطبائي(صاحب الرياض) على كريمته، وقد ترعرع في أحضان أسرة عرفت بأثيل المجد ورفيع الشرف، وتلقَّفَ علومه الدينية على أيدي أساتذة ومشايخ عرفوا بالتقوى وسعة الاطلاع، منهم: والده السيد حسن، وخاله السيد مهدي الطباطبائي، وخاله الآخر السيد محمد المجاهد الطباطبائي،وشريف العلماء،والسيد إبراهيم صاحب الضوابط، ثم اشتغل بالوظائف الشرعية والتدريس والمرجعية وشارك مع أحرار كربلاء في واقعة محمد نجيب باشا في ذي الحجة عام 1258هـ، المؤرّخة بلفظة(غدير دم)، ومن أبرز آثاره العلمية: زهر الرياض وهي حاشية على رياض المسائل، صفاء الروضة وهي حاشية على الروضة البهية،المهذّب في الأصول أو مهذب القوانين، التجزي والاجتهاد.

هذه الرسالة في أجوبة المسائل، وهو فن تداولته الحوزة العلمية(أو ما يقوم مقامها) منذ عصر الأئمة الأواخر وامتدّ إلى عصري الغيبة الصغرى والكبرى.
وهي وثائق مهمة ومهملة عمومًا من تراثنا المكتوب تبرز وتضيء جنبات مخفيّة من تاريخنا المجتمعي وتعكس صورة صادقة عن الحالة الإجتماعية والدينية في مجتمعاتنا الخاصّة منها والعامّة.
وما بين أيدينا رسالة في مسائل سبع يربط بينها وحدة الاتجاه والهدف مع اختلاف في المواضيع المعالجة فيها.
فهدفها فكّ اشكالات وحلّ استفسارات وتوضيح عبارات في بعض كتبنا العلميّة كشرح القواعد للمحقق الكركي والدروس الشرعية للشهيد الأوّل وبعض كتب العلامة والشهيد الثاني(رضوان الله عليهم).
وإن كان ظاهر محورها كتاب شرح القواعد للمحقق الكركي.
وقد طلب السائل فيها توضيح الرأي الصحيح والمعنى الصريح فيما عُرض من عبائر وجُمل.
والمسؤول هو العلم الفقيه الكبير الشيخ عبد الله بن الحسين التستري من أعلام القرن الحادي عشر وعين من أعيان الطائفة الحقّة ومرجع من مراجعها الكبار، هاجر من كربلاء إلى اصفهان فرفع شأن العلم والعلماء بما لا مزيد عليه حسب ما ذكر معاصروه.
ونسخة الرسالة الوحيدة والفريدة وجدت في مكتبة الإمام أمير المؤمنين في النجف الأشرف.
وبعد تنضيد حروفها ومقارنة متنها وتصحيح لغتها، تتبّعنا مصادر الأقوال والآراء واستخرجناها وسع الجهد والطاقة.

ولد الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي عام 1842 في شيراز (جنوب إيران) وفي بداية شبابه سافر إلى كربلاء للاغتراف من معين العلم في حوزتها، فتتلمذ على يد العلامة الشيخ حسن الاردكاني، ثم سافر إلى سامراء ودرس هناك على أيدي عديد من العلماء ورجال الدين المبرزين والمجتهدين وفي مقدمتهم الميرزا محمد حسن الشيرازي، ومن ثم سافر إلى النجف وبعدها عاد إلى كربلاء بعد وفاة المرجع الديني محمد كاظم اليزدي في 30 نيسان 1920، وأصبح الشيرازي هو المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة، وأخذ العراقيون بشكل عام الانضواء تحت لوائه، له العديد من المؤلفات المنشورة وغير المنشورة ، كما له دواوين شعرية منها فارسية ومنها عربية.
كان للشيخ الشيرازي دور سياسي واضح وقيادة دينية حكيمة، وكان ذات دراية بجميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية، إذ شكل موقفه من الاستفتاء الذي أجرته السلطات البريطانية في العراق عام 1918 أول هزيمة وانتكاسة واجهت الحكومة البريطانية ذلك من خلال فتوى تحريم انتخاب غير المسلم .
كما كان له موقف مشرف واثر بطولي من خلال التهيؤ لثورة عام 1920 ومن ثم مواكبة جميع مراحلها، فكان بمثابة الزعيم الأوحد للوطنيين والأحرار في كربلاء وفي باقي المحافظات فلا يصدر أي قرار إلا بعد أخذ رأيه، فكان له دور دبلوماسي في بدايات الثورة إذ أرسل العديد من الرسائل إلى بعض الرؤساء العرب والأجانب وخاصة الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون والأمير فيصل ابن الشريف حسين كانت الغاية منها تنفيذ الوعود التي قطعتها بريطانيا للشعب العراقي وبخاصة حق تقرير المصير، وكذلك عرض القضية على الصحافة والرأي العام، وبعد فشل جميع هذه المفاوضات أصدر فتواه التاريخية ( الجهاد ضد المحتلين) وكان على اطلاع تام بسير الثورة وبعد أن أدرك بأن الثوار يحققون الانتصارات وخاصة انتصارهم في (الرارنجية) طرد الحاكم السياسي في كربلاء وأسس ثلاثة مجالس لإدارة شؤون المناطق المحررة إبان الثورة وهي المجلس العلمي وكان واجبه بث الدعوة بين الناس، والمجلس الملي وواجبه جباية الضرائب والرسوم، ومجلس جمع الإعانات للمعوزين من الثوار، كما قرر تنصيب السيد محسن أبو طبيخ متصرفا للواء كربلاء، وشكل مجلس إدارة لواء كربلاء ورفع العلم العراقي فيها.
توفي الشيخ الشيرازي في 17 أب 1920 ودفن في الصحن الحسيني الشريف فاتجه أنظار الناس بعده إلى المرجعية الدينية في النجف الاشرف .