TASLEEM JOURNAL

اللغة تعبير عن الواقع ووسيلة لإيصال الأفكار والرؤى، وأجزاء اللُّغة تعبير عن أجزاء الأحداث التي تقع عبر الأزمنة المختلفة. ولمَّا كان الحدث الجزء الأساس في سير الحياة وحركتها كان ما يعبّر عنه من كلام الجزء الأساس من اللغة. وبما أنَّ الحدث لا يكون إلَّا بمحدث يقوم بفعل فإنَّ اللغة لا تقوم إلَّا بفعل يفعله فاعل، وهذان الركنان الأساسان قد يكونان ظاهرين وقد يكونان مقدَّرين في كلام خالٍ منهما لفظاً غير خالٍ منهما معنى. ولمَّا كان الفعل مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعمل المنجز أو الذي ينجز أو الذي قد ينجز ارتبط العمل النحويّ بالفعل في الجملة العربيَّة، فعمل الفعل في غيره وعمل غـيـره حـمـلاً عـلـيـه.
لقد ضمَّن علماؤنا القدماء دراسة الفعل في كتبهم ودراساتهم،
واختلفت نظراتهم إليه وإلى دوره في العمل النحويّ، إلَّا أنَّ أحدهم لم يفرد له كتاباً خاصّاً أو دراسةً شاملةً تغني الباحث عن البحث في المصادر والمراجع المتناثرة، فكانت فكرة إعداد بحث مخصّص لدراسة الفعل جديرةً بالاهتمام من أجل تسليط الضوء على الفعل وصيغه المختلفة ودلالتها على الزمن، ولا يتمّ ذلك إلّا بالاستشهاد بعظيم القول وفصيحه من الشّواهد القرآنيّة التي تضمّنها كتاب الله القرآن الكريم.
ويقوم هذا البحث على قسمة ثلاثيّة موافقة للتقسيم الثلاثيّ الفعليّ، مع التفصيل في الدلالات المختلفة للصيغة الفعليّة الواحدة، والإتيان بالشاهد القرآنيّ الموضّح المبين.

انطلاقًا من عنوان البحث الموسوم "إستراتيجيَّة الإقناع بالتبليغ الإلهيّ بين المنطق العقليّ والتأثير العاطفيّ- خطبة الغدير للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنموذجًا"، فإنَّ موضوع هذا البحث يتمحور حول دراسة إستراتيجيَّة الإقناع التي استخدمها النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في عملية التبليغ الإلهيّ بنصّ الإمامة في خطبة الغدير، وكيف استطاع النبيّ أن يوفّق بين الأسلوب المنطقيّ المتدرّج من الأسباب إلى النتائج، وبين التأثير الوجدانيّ في قلوب ونفوس جمهور المسلمين المستمعين لخطبته الشريفة، وذلك عن طريق رصد الدلائل اللفظيَّة والمعنويَّة في الخطبة.
يعتمد هذا البحث المنهج الاستدلاليّ، وينقسم على مقدّمةٍ ومبحثين وخاتمة.
تشتمل المقدّمة على عرض موضوع البحث، وذلك بدءًا بتسويغ العنوان وبيان أهميّة الموضوع وأسباب اختياره، مع تسويغٍ موجزٍ لأسباب اختيار المنهج، ثُمَّ عرض إشكاليَّاته، وصولًا إلى نقد المدوّنة، أي خطبة الغدير.
أمَّا المبحثان فيعالجان موضوع البحث تحت عنوانين رئيسين:
المبحث الأوَّل: "التدرّج الفكريّ وإستراتيجيَّة الإقناع في عملية التبليغ بنصّ الغدير"
المبحث الثاني: "دور التأثير العاطفي في إستراتيجيَّة الإقناع بالتبليغ الإلهيّ بنصّ الغدير"
وذلك في إطار الإجابة عن الإشكاليّتين اللتين يعالجهما البحث، وهما:
• كيف يتدرّج الخطاب النبويّ في خطبة الغدير من اللفظ إلى المعنى، في تقديم الحجَّة والبرهان العقليّ على حقّانيّة تنصيب النبيّ (ص) للإمام عليّ (عليه السلام) خليفةً من بعده؟
• كيف يبرز التدخّل اللفظيّ والمعنويّ للمؤثّرات العاطفيَّة التي يطرحها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبته، وكيف تتمازج مع التدرّج المنطقيّ في إستراتيجيَّة الإقناع بالتبليغ؟
ويخلص البحث إلى خاتمةٍ تجمع خيوط البحث وتعرض نتائجه المتوخّاة.

إذا كانت الحكمة ضالّة المؤمن، أينما وجدها أخذها، فكيف إذا بحثنا عنها واستفدناها من المناهل الإلهيَّة العذبة في حِكَم العترة الطاهرة المطابقة في دلالتها لآيات الكتاب المجيد، إذ يجد التائه، الباحث عن ضالّته ما يروي عطشه العلميّ في المجالات العلميّة كافَّة واللافت عند تتبع تراث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هو مطابقته لكثير ممَّا ورد في قواعد علم البلاغة من علم المعاني والبيان والبديع والمختصرات الوافية والإيجازات الكافية باستعمال التشبيه والاستعارة والكناية وغير ذلك، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّه يدلُّ على التطابق المنهجيّ بين الثقلين والقرآنين: الصامت والناطق.
لذلك، ولأهميَّة التعرُّف على قيمة هذه الحِكَم العلميَّة، وجدنا من الضروريّ التوقّف عند عِلْم الإمام الكاظم (عليه السلام) وأحاديثه، والتعرُّف على مقاصد حِكمه ومداليلها اللُّغويَّة ومطابقتها للمعاني القرآنيَّة، وهو أمر في غاية الأهميَّة حيث يُستدلّ به على حجيَّة قولهم ورفعة مكانتهم بكون كلامهم امتدادًا لكلام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من رحيق النبوَّة ومعدن الوحي، وأريج القرآن، وبلاغته الإعجازيَّة.
ولأجل الاطِّلاع على عدد من جوانب هذا الموضوع على نحو مختصر وموجز، فقد تكلَّمت عن حياة الإمام(عليه السلام) وغزارة علمه. ومن ثَمَّ تطرّقت إلى أهميَّة الحكمة الإلهيَّة ومنزلتها في عقل المعصوم، وخصوصاً عند الإمام الكاظم (عليه السلام). وللوقوف على حقيقة هذه الحِكَم كان لا بدَّ من التعرّض لمقاصد كلامه العقائديَّة والشرعيَّة والأخلاقيَّة، ولإتمام معرفة تلك المقاصد أتيت على ذكر التطابق الدلاليّ بين البلاغة القرآنيَّة وحكمة الإمام(عليه السلام). وأخيراً تحدَّثت عن أثر الحكمة على تربية العقل. ومن ثَمَّ ختمت كلامي ببعض الاستنتاجات التي توضِّح معنى كلام الإمام الرضا(عليه السلام) بأنَّ إحياء الأمر هو تعلُّم علوم آل مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا علم الناس محاسن علومهم ومقاصد كلامهم لاتبعوهم. فكم نحن أمام مسؤولية كبيرة لإيصال هذا العِلم الإلهيّ الأصيل بألفاظ حكيمة إلى عامَّة الناس.

إِنَّ الإِمامَ الرِّضا (ع) إِمامٌ معصومٌ مفترضُ الطَّاعة، أوقفَ حياتَه للدَّعوة إلى اللهِ تعالى، لِذا حاولَ بشتَّى السُّبل والوسائل، لنشر مفاهيم الدِّين الحنيف، ألا وهو الإسلام، فهو (ع) لم يكتفِ بالخُطب والأحاديث والمناظرات، بل استعمل الشِّعر وسيلة ناجعة للتَّأثير في النَّاس، فلم يكن الشِّعرُ ترفًا وفنَّا لا طائل تحته، إنَّما نظَّمه ليكون رسالة، وطريق هداية.
ومن المواضيع الَّتي أثارها في الشِّعر المنسوب إليه (ع):
الصَّبْر: فدعا إلى التَّسلُّح بالصَّبر، في كلِّ ميادين الحياة، فإنَّ اللهَ مع الصَّابرين.
وقَبول العُذْرِ: فالإنسان المؤمن، يقبل عذر أخيه، فهو رحب الصَّدر، هدفُه رضا اللهِ تعالى، ولا يَغضب لنفسِه.
والتَّوبةُ قبلَ الموت: من رحمة الله تعالى أنَّه فتح باب التَّوبة، لأنَّ الإنسان غير معصوم، فقد يخطئ ويعصي، لكن لا بدَّ من ترك تسويف التَّوبة، فقد يدركه الموت قبل إدراك التَّوبة.
والشَّيب: فالمَشيبُ موعظةُ اللَّبيب، وهو نذير الموت؛ فالعاقل إذا حلَّ به الشَّيب، عليه أن يستعدَّ لذلك اليوم الموعود، الحقِّ المشهود، بالتَّقوى والعمل الصَّالح.
والغرور: إنَّ المؤمن لا يغترّ بالنِّعم الَّتي يُغدقها اللهُ عليه، بل يحمد الله تعالى ويشكره عليه، لتسلم وتدوم.
والعفو والحِلم: وهُما من الأخلاق الفاضلة الَّتي ينبغي أن يتمتَّع بهما المؤمن، فيقابل الإساءة بالإحسان، ولا سيَّما عند المقدرة، فيسود، ويملك القلوب.
والأَمَل: على المؤمن أن يعمل لآخرته كما يعمل لدنياه، فلا يؤمِّل الخلودُ في الدُّنيا، فهي تمرُّ مرَّ السَّحاب، وإِنَّ الأجل له بالمرصاد.
وفي الَّذينَ يَعيبونَ الزَّمانَ: الزَّمانُ لا يُعاب، إنَّما أهلُ الزَّمان هم الَّذين ينبغي أن نعيب أقوالهم الباطلة، وأفعالهم الشائنة، وانحرافاتهم، وظلمهم.
وهكذا جاء الشِّعرُ المنسوبُ إلى الإمامِ الرِّضا (ع) شِعرًا ملتزمًا، يستحقُّ التَّقدير والاحترام، وحفظه، وترجمته عملًا وسلوكًا.

يحتلُّ الإمام الجواد (عليه السلام) موقعًا رياديًّا في المجتمعات الإسلاميّة على الرّغم من سنيّ عمره القصير...إنَّ الإمام الجواد (عليه السلام) يظلّ –مثل سائر المعصومين (عليهم السلام) -أنموذجًا للشّخصيّة العباديّة؛ فقد تولّى الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، وظهرت علومه في ميادين عدّة، منها الجانب الأدبيّ الَّذي هو محلّ دراستنا؛ إذ بحثنا موضوع التركيب والدلالة في خطب الإمام الجواد (عليه السلام)؛ فشخصيّة الجواد كانت مؤثّرة تأثيرًا كبيرًا في مجتمعها، وهناك أسباب عدّة تضافرت لخلق ذلك التأثير في قلوب الناس، منها: نبوغ الإمام وعبقريّته في سنّ مبكرة من عمره، وتسنّمه مقاليد الإمامة في سنّ السابعة وبضعة أشهر، وهذا -في حدّ ذاته- يُعَدُّ أوَّل تحدٍّ يواجه المجتمع، فترك أثرًا كبيرًا في نفوس النّاس، فقد ورث عن آبائه الكرام خُلق الأنبياء والأوصياء وعلمهم، وكان المُصْلح والعالم والمُعجِزة في زمن هيمن فيه العلماء على المجتمع، حتَّى لقّبه المأمون العبّاسيّ بالعالم... فعلى الرّغم من حداثة سنّه إلّا أنَّه أظهر دلائل إمامته عبرَ مناظراته العلميّة التي أذهلت كبار العلماء عصرئذٍ، وكان المأمون بخاصّة يتولّى إدارة تلك المناظرات، ومنها مناظراته المشهورة مع قاضي القضاة يحيى بن أكثم، فقد كان المأمون يعقد تلك المجالس العامّة للمُناظرات؛ بغية إقناع النّاس بمقدرته العلميّة...
لقد ظفرنا بنصوص أدبيَّة للإمام الجواد (عليه السلام) تُعدّ امتدادًا لنصوص مُماثلة لسائر المعصومين في ميدان الرّسالة، أو المقابلة، أو الحديث الفنّيّ. منها: أدب الرّسائل، فلغة الرّسالة قد وُشِّحت بأدواتٍ فنّيّة: لفظيًّا، وإيقاعيًّا، وصوريًّا،... وأدب الخواطر: تتمثّل أبرز عوامل نجاح النّصّ الفنّيّ في: خضوعه لبناءٍ هندسيٍّ مُحكم، تتلاحم وتتنامى جزئيّاته بعضها مع الآخر. أمّا الحديث الفنّيّ؛ فإذا نظرنا إلى الأحاديث الَّتي وردَت عن الإمام الجواد (عليه السلام) لحظنا أنَّها امتداد للأئمّة السّابقين في كونها تُمثّل غالبيّة النّتاج المأثور عنه (عليه السلام).

تعدّدت مناهج الدارسة الأدبيـّة، وتنوّعت مرجعياتها الفلسفية، بما يسمح بتطويق الظاهرة الإبداعية من مناحٍ مختلفة وبما تشكّل إضاءة ميكروسكوبيَّة لمعالمها الجوانيَّة عبر سبر أغوارها في إطار تشكيل المعنى وتوليد الدلالة، فإذا ما أردنا أن نتحدث عن قراءةٍ منتجةٍ وفعالةٍ تطارد المعنى فعلينا أن نؤمن إيمانًا راسخًا بتشكّل النصّ المنتج من طبقات تتحدّد على وفق الزاوية التي ينظر من خلالها الدارس للعمل الأدبيّ والمقاربة المعتمدة والكفيلة بتقديم دراسة علميَّة للظاهرة الأدبيَّة بعيدة عن العفويَّة والتلقائيَّة والانطباعات الذاتيَّة، وقد مهّد الهاجس العلميّ لدارسة الأدب إلى بروز مقاربات شتَّى تتنوّع بين المقاربة السياقيَّة والمقاربة البنيويَّة، والتي أبدت فهمًا للنصِّ الإبداعيِّ ولكنَّه قاصر عن الإحاطة بالظاهرة الإبداعية، فالأدب لا يمكن أن ينفصل عن السياقات المنتجة، فضلًا عن أنَّه نصٌّ لغويّ تؤطّره بنى أسلوبيَّة وجماليَّات التعبير، ويذعن لخصائص الشكل الأدبيّ وقوانينه؛ لذلك بدا أنَّ الردة النقديَّة التي تسلَّم زمامها النقد الثقافيّ في إطار تجويد الممارسة النقديَّة وجعلها بمنأى عن حصر الأدب في مساحةٍ ضيقة، لكفيلة بإعادة الاعتبار للأنساق الثقافيَّة وإيلائها الأهميَّة القصوى في دراسة الأدب، بمعنى أنَّ النصَّ الإبداعيّ تكتنهه مضمرات وأنساق منبتة في اللاوعي اللغويّ والأدبيّ والجماليّ، والناقد سيعمل على كشفها في إطار الارتداد إلى السياقات المنتجة لمزيد من الفهم والتفسير للنصِّ الإبداعيّ المنفلت من قبضة الدلالة النهائيَّة الشافية الكافية، ولهذا سيكون محور الاشتغال في البحث على العناصر المائزة للنقد الثقافيّ والتي تشكّل خصوصيّته النوعيَّة وكذا ميكانيزمات اشتغال أدواته المنهجيَّة، والكيفيَّة التي ينهجها لمقاربة الظاهرة الأدبيَّة في أفق تشكّل المعنى وترويضه لخدمة أهداف النقد، وسنقصر مجال دراستنا على الرواية بلحاظها جنسًا أدبيًّا تتقاطع في تشكيله أنساق وأنظمة ثقافية شتَّى.

عمدت هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على الافتراضات الفونولوجيَّة التي زخرت بها كتابات الدرس الصوتيّ الحديث من قبل باحثين معظمهم ممَّن تخصَّص في ميدان هذا العلم.
والمتتبع لمسائل علم الأصوات يجد أنَّ الافتراضات كثيراً ما تكون في المسائل الفونولوجيَّة قياساً بالمسائل الفوناتيكيَّة التي حُسِمَت منذ الاتِّكاء على المخابر الصوتيَّة الحديثة في معرفة الصوت مخرجاً وصفة.
وكان منهج الدراسة متكئاً أيَّما اتِّكاء على مباني الدرس الصوتيَّ الحديث بغية الكشف عن مدى تباين الرؤى، وتعدّد الافتراضات في مسائل هذا العلم.

يرتجي البحث النظر في الصورة الفنيَّة عند عبد القادر الرباعيّ الباحث الأكاديميّ، والناقد العربي في كتبه المعنيَّة في الصورة الفنِّيَّة بوصفها كتبًا مهمَّة؛ طرح فيها الباحث الرباعيّ منهجاً جديداً في نقد الصورة الفنِّيَّة، وكانت نقطة تحوّل في تغيير وجهات نظر كثيرة. لذا اعتمد هذا البحث منهجاً وصفيًّا تحليليًّا للوقوف على المنهج النقديّ الجديد لفاعليَّة الصورة الفنِّيَّة في الشعر العربيّ القديم، برؤية رباعيَّة. وخلص البحث إلى نتائج عدّة لعلَّ أبرزها اعتراف الرباعيّ بتعدّد المعنى الشعريّ؛ ذلك لأنَّ المعنى في الشعر يحرّر نفسه من صاحبه ويوجدها في وجدانات غيره من البشر وعقولهم على اختلاف أنواعهم وأزمانهم؛ لذلك تغدو دراسة الشعر الجاهليّ خاصَّة والشعر القديم عامَّة بعقليَّة جديدة، إحياء له في الشعور والوجدان.