Abstract
الجغرافية السائدة في اقسام الجغرافية في الجامعات العراقية وفي الجامعات العربية عموماً هي الجغرافية البرجوازية.
الجغرافية الماركسية مثلها مثل علم الاجتماع الماركسي والمادية التاريخية التي يستند اليها المنهج الماركسي في دراسة التاريخ وكذلك العلوم السياسية ذات البعد الماركسي ونظرية الادب والنقد الادبي ذات التحليل الماركسي. بشكل عام تستطيع العلوم الانسانية ان تستفيد من النظرية الماركسية ومن العلم الماركسي او العلم المادي في تفسير الظواهر التي تناولتها "المترجم"
يعاني العالم من مشكلات تتعلق بالبيئة ومشكلات اخرى تتعلق بالبيئة الحضرية, بيئة داخل المدن, ومشكلات ثالثة تتعلق بموضوع التجارة العالمية وغيرها من المشكلات التي نعرفها نحن الجغرافيين الا اننا مازلنا غير قادرين الحديث عنها بعمق بل عندما نقول شيئاً عنها فلربما قولنا تافه ومضحك وبأختصار اننا لم نقدم الاجابات السليمة و لا المعالجات الصحيحة لحل هذه المشكلات ولعل ما قدمناه حولها غير فاعل وغير مجدي . بفعل الضعف في قدراتنا, نحن الجغرافيين, وبفعل أزمة الواقع الاجتماعي الحادة على صعيد العالم ظهرت مستلزمات الثورة في الفكر الجغرافي (هارفي-1973).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هو الفصل السابع في كتاب : الفكر الجغرافي-مقدمة نقدية: Geographic Thought-A Critical Introduction للجغرافي الأمريكي Tim Cresswell الصادر في 2013 عن دار النشر Wiley-Blackwell في لندن.
-المترجم أستاذ متمرس دكتور في جامعة الكوفة-العراق
أينما تعيش و تعيش اسرتك بل و في كل مكان من هذا العالم يوجد بشر اثرياء هم اكثر منك ثراءاً او من اسرتك, فهم يسكنون القصور الضخمة و يملكون السيارات الحديثة الفارهة, على آخر موديل, ويرتدون أفخر الملابس ويرتادون ارقى المطاعم. يشترون اشياءهم من محلات قد لا تستطيع انت من دخولها, ويتمتعون بعطل طويلة يسيحون فيها الى اماكن راقية لاتتحمل ميزانيتك و دخلك إرتيادها بل الوصول اليها.
بنفس الوقت يعيش البعض من الناس في اماكن كثيرة و هم فقراء, افقر منك ولربما لا يملك البعض منهم سكناً فمسكنه رصيف الشارع او الخرائب او مساكن مهجورة آيلة للسقوط, و في مثل هذه الاماكن كثيراً ماترتفع معدلات الجريمة ( تحت ضغط الفقر و العوز-المترجم ) في هذه الاماكن المحلات مغلقه و مهجورة عادة وهي خالية من ابسط الخدمات حتى من خدمات النقل العام احياناً ( لان خدمات النقل لا يهمها خدمة الناس بل لها حساباتها في الربح و الخسارة-المترجم )
يحصل ان المكان القريب من سكنك مليء بأشكال التلوث فلربما ترمي احدى الشركات الصناعية انتاجها من السموم في النهر المجاور, وقد يحصل ان تتسرب هذه السموم الى المياه الجوفية. و قد يعاني هذا المكان من كونه قريباً من الطريق السريع ( High Way ) فترتفع فيه معدلات الأصابة بالربو. في الغالب مثل هذه الاماكن التي تعاني من مختلف صور التلوث هي اماكن بعيدة عن الاحياء السكنية للأثرياء!
تحمل أليك الصحيفة التي أعتدت على قراءتها صباحاً على مائدة الفطور العديد من قصص المخاوف و الذعر فتنقل أليك أخبار توقعات الأنهيارات المالية وتراجع البورصات, آيرلنده تنادي بطلب مليارات اليورو لتنقذ مصارفها من الافلاس, وهنا في المملكة المتحدة اصبح طلبة الجامعات يطالبون من قبل ادارات الجامعات بدفع ثلاثة اضعاف الاجور الدراسية التي كانوا يدفعونها.
أن هذه الموضوعات وغيرها قطعاً لا تهم الاثرياء, اصحاب القصور الضخمة, المنتشرة على سفوح التلال ( بعيدة عن الازدحام و عن اسباب التلوث-المترجم ) . بالطبع انها مشكلة الفقراء الذين يسكنون المساكن الحكومية الصغيرة المرصوفة عادةً على جانبي الطرق السريعة و المزدحمة حيث التلوث وارتفاع معدلات الاصابة بالربو ( نذّكر في البيوت التي بناها الانجليز في العراق لعمال السكك وهي تجاور محطات توقف القطار, انها بائسة وعبارة عن دكاكين سكنية لا تزيد مساحتها على 30 متر مربع-المترجم )
هؤلاء الفقراء هم الذين يعنيهم الامر فهذه الاجور الدراسية اصبحت عبئاً ثقيلاً عليهم فيضطرون الى حرمان ابنائهم من متابعة دراستهم الجامعية.
لأول مرة ومنذ عدة سنوات تظاهر طلبة الجامعات في لندن و يقفون وقفات احتجاجية بأعداد كبيرة تحيطهم قوى الشرطة فتطوقهم بسياج محكم دون مراعاة لكرامتهم وحريتهم في التعبير (لو يحصل هذا الحال في احد البلدان النامية لتصارخ الاعلام الغربي ولطالب بحقوق الانسان وبالديموقراطية و بحرية التعبير! -المترجم ) .
نشرت الصحيفة التي أعتدت على قراءتها صباح كل يوم على مائدة الفطور صوراً لأناس حاولوا دخول استراليا بهجرة غير شرعية, غرق قارب البعض منهم بسبب الرياح العاتية و الامواج العالية فلقي البعض حتفه بينما حاول البعض الاخر الوصول الى الساحل ( ان هذه الهجرة في رأينا هي هجرة من نمط الهجرة القسرية حيث يضطر هؤلاء المهاجرون الى ترك اوطانهم بسبب الظروف الاقتصادية الاجتماعية و السياسية الصعبة داخل اوطانهم-المترجم ) .
لاشك ان جغرافية ما حول مسكنك هي جزء من جغرافية العالم ولاشك انك إذا ما حصلت على هذا الكتاب ( الفكر الجغرافي-مقدمة نقدية ) فأنك تعيش في بلد يهمه ان يستورد الكتب و يهمه ان يوفر كتاب في الفكر الجغرافي لتغطية حاجة الاقسام العلمية الجغرافية لتوفير مصادر ومراجع لموضوع الفكر الجغرافي ( وهو من الموضوعات الاساسية في مقررات اقسام الجغرافية-المترجم ), فلعلك ميسور الحال و لعلك تسكن حياً سكنياً غير فقير, والاحياء الفقيرة لعلها غير بعيدة عن الحي الذي تسكنه و هي التي لا يصل اليها هذا الكتاب او غيره من الكتب ( صحيح ان الفقراء غير قادرين على شراء الكتب و شراء الكتب في الفكر البرجوازي حالة رفاه و ليس ضرورة-المترجم ).
من هذه الملاحظات و من غيرها تبرز عدة اسئلة اقتصادية واجتماعية وسياسية يدخل البعض منها في اطار التنظير, من هذه الاسئلة هي: هل أن وجود الفارق الطبقي, الثراء و الفقر يحصل لأسباب بسيطة وعفوية؟ فهل يحصل بفعل حوادث معينة اوبسبب محدودية الفرص او المخاطر الطبيعية, او يحصل بفعل سياسة اللاعدالة التي تفرضها طبيعة النظام الرأسمالي؟؟ هل ان المناطق الفقيرة اصبحت فقيرة بسبب غنى المناطق الغنية؟؟ و إذا ما كان هذا صحيحاً إذن ما عسانا أن نفعل؟؟
لاشك ان هذه الاسئلة وغيرها تدخل في صلب اهتمامات الجغرافية وموضوعاتها ( تحاول الجغرافية الاجتماعية Social geography و جغرافية المدن Urban geography تقديم الاجابات على هذه الاسئلة وغيرها الا أنها اجابات تقليدية ضمن منهج الجغرافية البرجوازية-المترجم ).
هل ركزنا نحن الجغرافيين الاكاديميون على هذه الموضوعات؟ هل حاولنا ان نغير شيئاً؟؟ إذا ما كانت الاجابة نعم لقد حاولنا, إذن لابد من ان نسأل انفسنا لماذا لا نعمل المزيد؟؟ (لانقدر على عمل المزيد بفعل عقم المنهج الجغرافي الذي يقف عند حدود وصف المكان, وإذا ماحاول ان يتجاوز هذه الحدود في ما يطلق عليها الجغرافية التطبيقيةApplied geography فآليات التفسير و التحليل آليات برجوازية سطحية في الغالب-المترجم )
كانت هذه الاسئلة وامثالها هي الاسئلة المطروحة امام الجغرافيين عند نهاية عقد الستينات من القرن الماضي, و هي فترة اتسمت ببروز العديد من المشكلات على صعيد العالم, وفيها أشتدت الحرب الفيتنامية و تنامت حركة التحرر الوطني وتصاعدت حركة حقوق الانسان Human Rights في مدن الولايات المتحدة الامريكية وتعاظمت مظاهرات احتجاجات الطلبة في باريس. كان الناس يعيشون في تلك السنوات قلق الاسئلة حول القوة و السلطة.
كان المفكرون و الاكاديميون يجدون انفسهم وسط دائرة الجدل, ما الخطأ في واقع العالم؟ و كيف يصبح العالم افضل؟؟ ولعل المفكرين و الاكاديميين الفرنسيين في طليعتهم امثال جان بول سارتر Jean Paul Sartre و زوجته سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir
لم يولِ الجغرافيون لزمن طويل الاهتمام الكافي لموضوعات العدالة و المساواة و الاستغلال و الظلم, لقد كان علم الجغرافية صامتاً. في منتصف عقد الستينات من القرن الماضي و الذي أتسم بأشتداد الصراعات السياسية و الفكرية, شغل الجغرافيون انفسهم بموضوعات السلوك و التسوق و مواقع مراكز الخدمات ( انها الجغرافية البرجوازية-هروب الى الامام-المترجم ) .
لقد انتبه الجغرافيون, المتخصصون بالجغرافية البشرية, على الموضوعات الاجتماعية الملحة في مطلع عقد السبعينات, من القرن الماضي, فعقدوا المؤتمرات, و هي غالباً ماتكون شبه رسمية وفيها الكثير مما هو شكلي (بروتوكولي), فتناولوا هذه المشكلات فكانت مناهج للمؤتمرات اللاحقة ( مع تقليعة الجغرافية التطبيقية! –المترجم )
صدرت عن جامعة (كلارك) في مدينة ( ووسيستر ) ولاية ( ماسوشيست ) الامريكية في عام 1986 مجلة الاتجاه المعاكس Antibode وهي دورية محكمة للجغرافيين الثوريين بمختلف مذاهبهم. يعد صدور هذه المجلة البداية التاريخية لظهور الجغرافية الماركسية.