Abstract
... إن المتتبع والباحث المتأمل في تأصيل حركة العقل العربي ومرجعياته سيجد ثمة مفاهيم مختلفة ومتباينة في الوقت نفسه ولا سيما إذا ما تعلق الأمر بالمرجعيات تحديدا ، إذ ان العلوم المختلفة التي يتحرك في وسطها العقل العربي تختلف في مرجعياتها أيضا ، بيد أن قاسما مشتركا قد تحدد ملامحه ليس على وجه الدقة والوثوقية بل محاولة الاقتراب من الحقيقة ، في ضوء ما هو متوافر من أسانيد ولا سيما التاريخية منها . على أية حال فان النظر إلى علوم العربية بوصفها واحدة من تلك العلوم المتعددة ستقع ضمن هذه التباينات في الأحكام المتعلقة بالاصالة في المرجعيات أو بما يمكن ان نطلق عليه الاقتباس من الثقافات الأجنبية الأخرى ولا سيما اليونانية والهندية لذلك جاء هذا البحث ليسلط الضوء على هذه القضية التي أصبحت فيما نعتقد - تنتمي إلى حقل الميتالغوي . بيد أن الضرورة البحثية وضرورة الانتماء إلى التراث العربي - لا اعني التعصب لهذا الانتماء - تفرض علي أن اعرض ولو على نحو بسيط ولا سيما أن الأدلة الساندة هي الأخرى بسيطة - الآراء المتباينة التي تناولت هذا الموضوع مرة وتأكيد قضية مهمة جدا – في الأقل في تقديري الشخصي - تلك التي تتعلق بمصطلح " الاصالة " . بمعنى أن مصطلح الاصالة ينبغي أن يفهم في سياقه الطبيعي الذي يبعده عن التحديدات والتقييدات العصبية، لذلك جاء هذا البحث ضمن هذه التصورات والمحاور تحديدا - أضف إلى ذلك إننا تناولنا في هذا البحث قضية أخرى نجد أنها غاية في الأهمية - تلك هي قضية الكفاية النحوية التي رصدت بل وأطلقت حكما صارما على دراسة النحو العربي ، بمعنى أنها دعت إلى التعلق بالقدر الذي يعين على فهم علوم الشريعة . وقد يعني هذا أن أولئك اللذين أطلقوا هذا الحكم كانوا قد نظروا إلى النحو بوصفه علما ثانويا ومساعدا لعلوم رئيسة وحياتية مهمة . وهو أمر يقود إلى الكشف عن التصورات اللغوية الحديثة التي نظرت إلى النحو بوصفه علما وصفيا يدرس لذاته ومن اجله وهو ما يتقاطع مع تلك الأحكام التي تبناها ابو حامد الغزالي . ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن هذا النوع من الأحكام ينطلق من مركزية مهيمنة على العقل العربي تلك هي مركزية - العقيدة - التي تقود الدلالة واللغة على نحو عام .