Abstract
لا ريب أنّ الفنون الجميلة تنبع من منابع متقاربة إلى حد ما,ولعل كونها وسائل تعبيرية عن علاقة الإنسان بالكون ومشكلاته هو المسوغ لوجود تلك المشتركات بينها,وقديما قيل بمبدأ المحاكاة(1),الذي عدّ مبدأ يضم تحت لوائه تلك الفنون,,مع علمنا أن الوسائل أو المادة الأولية مختلفة إلى حد ما,فالشعر مادته اللغة والرسم مادته الألوان ,والموسيقى مادتها الإلحان والأصوات,وهكذا.... وبهذا نجد على مر العصور ذلك التوظيف المتبادل بين الفنون,فقد توظف الصورة في خدمة النص أو العكس,أو تصاحب الموسيقى الشعر,ولاسيما في إثناء الإنشاد(2),والباحث عن العلاقة التي تربط بين الفنون الجميلة ليس له أن يتصور التماثل أو التقارب أو غيرها ,وإنما يبدو أنها تستند – تلك العلاقة – إلى مبدأ المغايرة كالعلاقة بين الخشب والنار,احدهما يعين الآخر,لكن لا الخشب نار ,ولا النار خشب .
وعلى هذا لا يمكن أنّ ننكر"العلاقة بين الفنون سواء تصورناها علاقة توازن أو تبادل أو تأثير وتأثر عبر العصور والآداب,غير أن المسألة لا تبدو بديهية حيث نتأملها بشيء قليل من التفكير,وحين تبحث نوع هذه العلاقة بين الفنون من حيث طبيعتها ووظيفتها ووسائلها وأشكالها الجمالية "(3), تجدها تتنوع بتنوع تلك الفنون مع أن أرسطو قد وحد الفنون من رقص وشعر وموسيقى ونحت وتصوير وعمارة,ورآها لا تختلف عن بعضها في شيء سوى وسيلة التعبير(4).ونجد الجاحظ يقول"المعاني مطروحة.......إنما الشعر صياغة وضرب من الجنس وجنس من التصوير"(5),وتابعه النقاد العرب في الحديث عن العلاقة بين الفنون الجميلة ,فالجرجاني مثلا يقول:"إنما الكلام أصوات محلها من الإسماع محل النواظر من الإبصار"(6).