Abstract
المقدمةالحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء ، وتنجلي بأنوار بصيرتهم كل فتنة ظلماء ، يعلمون الجاهل وينبهون الغافل ويهتكون أستار الباطل بأنوار الشريعة الغراء ، ومقالات وكلمات العقلاء، والصلاة والسلام على خاتم الرسل والأنبياء، الذي أرسله ربه بالمحجة البيضاء، وعلى اله وصحبه النجباء العظماء. أما بعد:فإن من اعظم نعم الله تعالى على عباده نعمة نزول القرآن الكريم وارسال الرسول الامين عليه الصلاة والسلام، فبِهذين المصدرين صلَحت أحوالُ الناس، واستنارت عقولهُم وفهومُهم، وأشرقت الأرضُ بنور الوحي، ومن أهمِّ ما يميزُ هذين المصدرين أنهما لا يقيدان بوقتٍ ولا مكان؛ بل هما حَكَمان على الزمانِ والمكانِ، باقيان ما بقي على وجه الأرض انسان، فشريعةُ الإسلامِ خصها الله تعالى بالخلود والدوام ما دامت السماوات والارض وأودع فيها من الأصولِ والأحكامِ ما يجعلها قادرةً على مسَايرةِ حاجات الناس المتجدِّدة على امتداد الزمان واتِّساع المكان وتطوّرِ وسائلِ الحياة.ومن أجلِّ وأكبرِ هذه الأصولِ بعد الأصلين السابقين : أصلُ الاجتهاد في استنباط الأحكامِ الشرعية التي لا نص فيها، وقد أقرَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه معاذَ بنَ جبلٍ رضي الله عنه فكان هذا الأصل ميداناً فسيحاً للعلماء؛ لنظرهم واستنباطهم لا يَأْلُون جهداً ولا يدّخرونَ فيه وُسْعاً لاصدار الاحكام الشرعية وايجاد الحلول المناسبة للمشاكل والمستجدات التي تطرأ في حياة المسلمين على مر العصور الى ان يرث الله الارض وما عليها.ولا توجد شريعة كشريعة الاسلام دعت وأكدت على النظر والاجتهاد حتى جعلت للمجتهد اجرين ان اصاب وأجرا واحدا إن اخطأ مادام بذل وسعه وقصارى جهده في استقصاء الحكم الشرعي بالضوابط الشرعية ويُّعد الاجتهاد في الشريعة الاسلامية قسيم الوحي وذلك لان الشريعة نص واجتهاد والاجتهاد اعطى الشريعة مرونة وحيوية في مواكبة تغير الزمان وتغير المكان وذلك مراعاة لضرورات العصر وحاجاته التي تحتم على الفقيه في كل عصر ان يوجد المخارج للازمات والحكم الشرعي للحوادث والمستجدات التي تنزل بالعباد والبلاد .وقد نشأ الاجتهاد منذ العصر الاول حين كان رسول يجتهد في المسائل والقضايا التي تحدث للمسلمين في حالة انعدام نص تشريعي عن طريق الوحي وكان الوحي يسدده او يقره على ذلك وقد فتح الباب امام الاصحاب رضوان الله عليهم في الاجتهاد في مواقف كثيرة اعترضتهم في سفر او في غيبة رسول الله عنهم ، وفي حال عودتهم يصوب من كان مخطئاً ويقر من كان مصيباً واشهر ذلك ماروي في حادثة خروجهم الى بني قريظة وحادثة معاذ حين بعثه الى اليمن ، وبعد انتقاله الى الرفيق الاعلى اشتدت الحاجة الى الاجتهاد بالمسلمين اكثر وذلك لكثرة الحوادث والمستجدات وانقطاع الوحي بوفاة رسول الله وتوسع رقعة الاسلام ، قال ابن القيم رحمه الله : (فالصحابة مثلوا الوقائع بنظائرها وشبهوها بامثالها وردوا بعضها على بعض في احكامها وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد ونهجوا له طريقه وبينوا له سبيله )( )وفي عصر التابعين وتابعيهم توسعت دائرة الاجتهاد اكثر فأكثر وذلك لدخول امم اخرى من غير العرب في الاسلام وما تعترضهم من حوادث ومستجدات ومشكلات تستدعي من اهل الاجتهاد ان يجدوا حلولاً واحكاماً تتناسب معها ، حتى قال عمر بن عبد العزيز ((يحدث للناس احكام بمقدار ما احدثوه من الفجور)) ( ) ، وفي عصر الائمة الاربعة توسعت دائرة الاجتهاد اكثر فأكثر ووضع كل امام قواعد واصول للفقه والاستنباط من النصوص وبعد القرن الرابع الهجري صدرت دعاوى تنادي الى اغلاق باب الاجتهاد بدعوى ان الائمة المجتهدين رحمهم الله لم يتركوا لمن بعدهم شيئاً يحتاج الى اجتهاد وبيان والذي عليه المحققون ان باب الاجتهاد لم يغلقه احد وذلك ان رسول الله فتحه امام الصحابة والصحابة فتحوه اما فقهاء الامة فحيث ما وجد من يجد في نفسه القدرة والمَلَكة فهو ميسر لهم وكل ٌ ميسر لما خلق له ، اضافة الى ان الذين نادوا بمنع الاجتهاد هو من باب منع الادعياء الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد ولم يحققوا منزلة التقوى والورع لكي يتأهلوا لاصدار الاحكام الشرعية حفظاً للشريعة من هؤلاء المتطفلين والادعياء ، وهذا ادى بدوره الى ضعف الهمم وركود وجمود في البحث والاجتهاد وظهر مجتهدون بعد تلك القرون بلغوا درجة الاجتهاد المطلق وإذا كنا نريد ان نعود الى تحكيم الشريعة في واقعنا المعاصر لتحل محل ماجاء به المحتل والمستعمر من نظم وقوانين وضعية حلت محل قوانين الشريعة التي جاءت من وراء الحدود وهي غريبة عن ثقافتنا وعن اصالتنا الاسلامية ، ولا تحل هذه المشكلة الا باحياء الاجتهاد الذي هو من اهم الوسائل الضرورية لاثبات سعة الشريعة ومرونتها وقدرتها على وضع الحلول للمستجدات الطارئة لكونها صالحة لكل زمان ومكان ،ولا يمكن لعاقل ان ينكر ما وصلت اليه امتنا اليوم من ضعف وتأخر عن ركب الامم في كافة مجالات الحياة المعاصرة وهذا سبب التعصب المقيت للاشخاص والمذاهب والتفرق البغيض ولا يعود بالأمة إلى الرقي إلا بالاجتهاد الشرعي الصحيح الذي كانت عليه الامة في عصورها المتقدمة ولكي تقود العالم والحضارة من جديد وتقدم للبشرية حلولاً لمشاكلها ومستجداتها كما كانت في عهدها السابق في عصر النهضة والتقدم، وقد جاء هذا البحث لكي يساهم مساهمة ولو يسيرة ً في هذا الباب والتأكيد على اثر الاجتهاد في رقي الامة ووضع الحلول لما يعترضها من طوارئ ومستجدات ولكي تواكب الحياة وترتقي بالأمة الى المستوى اللائق بها بين امم الارض ، وقد جعلت بحثي هذا يشتمل على مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة .اما المبحث الاول فقد فصلت فيه حقيقة الاجتهاد في اللغة والاصطلاح ومشروعيته وما يجري فيه وكونه ضرورة من ضروريات العصر ، واما المبحث الثاني فقد ضمنته شروط الاجتهاد ومدارسه واتجاهاته ومزالقه في العصر الحديث ، والمبحث الثالث فصلت فيه اثر الاجتهاد في حل المستجدات وذكرت فيه بعض المسائل التي درست دراسة عصرية وفق الاجتهاد في العصر الحديث ، ثم الخاتمة اوجزت فيها اهم ما توصل اليه البحث من نتائج وتوصيات .وختاماً لا ادعي اني احطت بهذا الموضوع الصعب ولكن بذلت وسعي في ما قصدته واسأل الله ان يجعله خالصاً لوجهه الكريم وإن اصبت فمن الله وإن اخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان0
Keywords
الاجتهاد، العصر الحديث، أثر، حل المسائل، المستجدة