Abstract
نحن نعيش اليوم في عصر أطلق عليه الفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه وبجدارة اسم \"عصر الهُويات\"ومن وسط هذا العصر المليء بالهويات المتباينة, ركزغوشيهعلى \"الهُوية الدينية\", ذلك من حيث علاقتها بالتنظيمات السياسية, والمجتمع المدني؛ فهذه الهوية التي همشتها فيما مضى العلمانية, يراها اليوم تسعى جاهدةً الى أن يتم الاعتراف بها من قبل الدولة, كونها جزء لا يتجزأ من المجتمع. وبالمقابل الدولة من جانبها محمولة على هذا الاعتراف, شرط أن لا تفرض هذه الهوية سيطرتها على الشؤون السياسية والاقتصادية للبلاد. بذلك يمكن لهذه الهويات أن تنال الاعتراف من قبل الدولة التي تمثل هذا المجتمع, والتي هي مركز تصنيع وتمثيل الهُويات.
ولا اشكال في احتفاظ الهويات الدينية بمعتقداتها, إذ أن هذه المعتقدات آيلة الى التحول الى \"هويات\" بمرور الزمن, لا سيما بعد الالتزام بمبادئ الديمقراطية: التمثيل والمساواة والتسامح, إذ ان الديمقراطية كونها تعبير عن الحكومة التمثيلة فإنها لابد لها ان تمثل كافة مكونات الشعب, واصحاب الهويات الدينية هم واحدة من هذه المكونات التي لا جدال من وجودها, وبالتالي لابد من تمثيلها والاعتراف بها من قبل الحكومات الديمقراطية, شرط التخلي عن التبعية المسؤولة عن البناء الاولي للهوية الدينية, والتي تبين اتباع الذات لما هو فوق الواقع الإنساني, وكونها تؤدي به الى التقوقع حول ذاته, بسبب فرض سلطتها التامة عليه وعلى هويته؛ وهذا النظام التابع يقوم على التقليد الذي يمنع اندماج الفرد بالمجتمع, ويجعله يسير نحو ماضي التراث لا الى تاريخ المستقبل, بالتالي فأن اتباع ما هو خارج عن الطبيعة, يجعل هوية الإنسان ساكنةاستاتيكية راكدة في مكانها, لا يعتريها أي نمو وتبدل وتجدد وتقدم, ويقطع عنها سُبل التفاعل الحيوي مع الآخر والعالم المحيط به. لذا فقد أصر غوشيه بموضوعة \"الخروج من الدين\" كبديل عن الفردانيةوالعَلمَنة التي تفصل ما بين هو ديني ودنيوي بشكل قاطع. ورأى أنه لا يمكن الاستغناء عن أصحاب الهويات الدينية, لاسيما وأن العامل السياسي يستمد سلطته الشرعية منهم في سياسة البلاد. لذا فأن الفرضية الأساسية التي يقوم عليها بحثنا هي: اشكالية كيفية الاعتراف بالهوية الدينية, وكيفية العمل على انسلاخها من النظام التابع الثابت في ظل تطورات الحاصلة في الانظمة السياسية.والحل بحسب غوشيه هو بالخروج من \"الدين التبعي\" مقابل الدخول بـ \"الدين الديمقراطي\", الذي من خلاله يمكن للهوية الدينية أن تتجدد وتأخذ مكانتها وسط المجتمع الواقعي النسبي. وقد اعتمدنا ببحثنا هذا منهج (العرض والتحليل) للوصول لحل هذه الاشكالية .