Abstract
خلق الله تعالى الإنسان ضعيفاً، وهو يحتاج ليستمر في حياته أن يتعاون مع غيره، وهذا واضح في أمور الدنيا، فالإنسان يحتاج لمن يزرع له، ولمن يحصد له، ويحتاج لمن يصنع الآلات، ولمن يسوق البضاعة، ولمن يشتري، وبالجملة : فلا تقوم حياة الناس إلا بتعاونهم فيما بينهم، ومن ظواهر الروح الجماعية التي غذاها ونماها وأصّلها الإسلام في قلوب المسلمين ظاهرة التعاون الجماعي، وإن التعاون الجماعي ينأى بالإنسان عن الانعزالية أولاً، ثم ينأى به نفسياً عن الانفرادية وقبائحها الأنانية المفرطة، ويحقق معنى الجسدية الواحدة، ويهيئ المناخ المناسب؛ لإقامة جلائل الأعمال العلمية والتطبيقية، والمسلمون يحتاج بعضهم بعضاً في شئونهم الدنيوية والدينية، ولذلك كان التعاون بين المسلمين أمراً جللاً، وقد أوجبه الله تعالى، وجعل به قيام دين الناس ودنياهم، وقد جاء وصف المسلمين – إن هم حققوا هذا التعاون – بأنهم بنيان مرصوص، وأنهم جسد واحد، وكل ذلك يؤكد على أن التعاون بينهم والتضامن والتكاتف أمر لا بدَّ منه، وهو يشمل جوانب كثيرة في حياة المسلمين يجمعها كلمتا (البر) و(التقوى) وهما كلمتان جامعتان لجميع خصال الخير، من الاعتقاد، والسلوك، والأحكام، وغيرها، وما أحوجنا في هذا الزمان الذي أنتشر فيه الشرّ، وأنحسر فيه الخير، وقلّ المعينون عليه، أن نحيي هذه الشعيرة العظيمة، وندعو إليها، ونحثّ عليها؛ لما فيها من الخير العظيم، والنفع العميم، من إقامة أمـر الدين، وتقوية المصلحين، وكسر الشرّ، ومحاصرة المفسدين ومن الله التوفيق .