Abstract
كانت اللغة العربية ولم تزل من اقدم اللغات قدرة على التعبير واعظمها اثرا واجزلها بلاغة واسلوبا , وأكثرها تعقيدا و مرونة, ولذلك اختيرت هذه اللغة من قبل الله تعالى لتحمل معجزة ما زالت تتفتق وتزهر بين أيدينا كلما غصنا فيها انها معجزة القران الكريم, فالمرونة والجمال والقدرة على العطاء وما فيها من طاقات مخبأة اذهلت دارسيها , فالمعنى فيها لا يتكون فقط من الكلمة نفسها , بل هو متكون من اتحاد عناصر كثيرة تنتج في النهاية عنصرا جديدا ضمن السياق الملفوظ وغير الملفوظ , ليكون المعنى شيئا يحتاج أبعد في تفسيره إلى ماهو ابعد وأعمق من المعجم , ولاسيما أن السياق يعمل على إظهار المعنى كما انها تتأثر بالعناصر الخارجة من الكلمات السابقة واللاحقة مهما امتدت وذلك في النص التماسك, لتكون النتيجة مركبات خاصة بالنص المكتوب وحده, بحسب درجة التفاعل بين العناصر الكلامية والصوتية والأسلوبية في النص, وقد تخزن بعض النصوص مئات المعاني في الصفحة الواحدة , وقد تكون بحرا ثرّا لدارسيه, و القرآن الكريم من أكثر النصوص الغنية بالمعاني المخبأة المتنوعة والتي تتنوع وتتشعب بحسب طريقة التناول , لذا سعى البلاغيون منذ العصور القديمة ومنذ بداية عصر التأصيل التنظيري البلاغي من بداية العصر العباسي إلى فهم المعنى ودراسته من خلال الأساليب التي يتكون منها. والتوكيد أحد هذه الأساليب التي لفتت نظر المفسرين والدارسين البلاغيين والنحويين والتي تكررت كثيرا في القرآن الكريم مؤدية كثيرا من المعاني التي كانت محل تفسير ودراسة وتحليل , وقد تخيرنا هذا الأسلوب نظرا لتكراره وأهميته وجماليته وخاصة في سورة فصلت التي تلائم هذه الدراسة ولتأثيراسلوب التوكيد بالمعنى فيها بشكل دفعنا إلى الإقبال لدراستها , ولفهم أسلوب التوكيد أكثر من خلالها , وأيضا لفهمنا أكثر عن طريق أسلوب التوكيد , وتأتي أهمية هذا البحث عن طريق دراسة احد الاساليب المستعملة في هذا الكتاب العظيم أولا , ومن قوة وتأثير وأهمية أسلوب التوكيد نفسه في اللغة العربية , واستعماله الواسع , وتأثيره في المعنى , لقد أراد البحث الكشف عن تأثيره في أعظم نص بلاغي بحسب الدارسين على أي دين كانوا , و تنبع أهمية هذه الدراسة أيضا في أصالتها , ومحاولتها الإتيان بالجديد في رؤية التوكيد في النص القرآني , وتتمثل أهداف هذا البحث في الوصول إلى فهم متقن للتوكيد , وفهم أوسع لهذا الأسلوب ليس فقط عن طريق التنظير والقواعد الجامدة , بل عن طريق النظر الجمالي العميق في نص حي ومتماسك لندرس الظواهر البلاغية التوكيدية من وجهة نظر مفتوحة , كما تهدف إلى فهم أعمق لمعاني وإيحاءات سورة فصلت المباركة , اعتمادا على ما جاءت به اقلام المفسرين واهل البلاغة والادب.
وقد قسم هذا البحث إلى مبحثين أساسيين , كان المبحث الأول محتويا على مطلبين ناقشنا التوكيد مفهوما وأنواعا وأسلوبا وطرقه المباشرة في سورة فصلت , أما المبحث الثاني فقد قسم إلى مطلبين ليناقش ويطبق اساليب التوكيد غير المباشرة