Abstract
ناول المهتمون بدراسة تراثنا العربي في الأندلس كثيرا من الموضوعات ذات الصلة بهذا التراث شعرا كان أو نثرا منها ما كان مقصورا بالغرض الشعري أو الظاهرة الشعرية وحياة الشاعر وشعره، ومنها ما كان يدور حول موضوعات النثر وأساليبه المتنوعة بالنسبة إلى النثر، وقليلا من الدراسات انصرفت إلى موضوعات نقدية ضيقة لا تكاد ترقى إلى مستوى الدراسات السابقة لها جودة وانتقاء.
ونحن إذ نواجه اليوم حملة مضادة دعاتها المشككون بهذا الأدب هدفها الأول سلب كل ما ينسب إلى حضارة العرب في الأندلس من رقي حضاري واجتماعي وثقافي، نجد أنفسنا ملزمين بالبحث والتواصل مع كل ما هو جديد في هذا الأدب من أجل أن نصحح تلك النظرة القاصرة التي لحقت به وما زالت مسلطين الضوء على إبداعات الشعراء التي تجلت في أفكارهم وما كان يدور في خلدهم من صور التألق والإبداع. لذا، يرى الباحث أن موضوع البحث (فلسفة الجسد في الشعر الأندلسي) هو دراسة جديدة ستلقى قبولا من لدن ذوي الاختصاص، وستجد لها مكانا طيبا في قلوبهم وفي قلوب العاشقين لبلاد الأندلس وحضارتها العريقة. وقد جاء بحثنا هذا مكملا لجهود الباحثين ممن سبقوني في ميداني البحث والتدريس، عاكفا على استقراء قسم من دواوين الشعراء والنصوص المبثوثة في بطون مصادر الأدب الأندلسي ومراجعه، استنادا إلى ثقل هذا الموضوع ومساحته التأثيرية لغرض فتح الباب واسعا أمام الباحثين لمن يريد الاستزادة لا سيما أن ميدان الدراسة فيه ما زال خصبا وبكرا في عصور الأدب الأندلسي جميعها.
ولعل القارئ لأدب العرب في الأندلس يجد في كل قراءة جديدة كنوزا جديدة تدلل بلا شك على تجدد إبداع الشاعر، وهو يبحث عن خلود هذا الإبداع تواصلا مع صدق الانتماء لفردوسه المفقود (الأندلس) واعتزازا بحضارته العريقة في تلك البلاد.
ومن هنا تبدأ جدوى دراسة هذا الموضوع، وتحديدا فلسفة الجسد في الشعر الأندلسي.ونحن لا نعني بـ(الفلسفة) هنا هذا المنهج الفلسفي المتكامل القائم على التعقيد والتكلف والاستقراء والتأمل كالذي نجده مبثوثا في شعر المتنبي والمعري وغيرهم من الشعراء، ذلك كون الفكر الفلسفي في الأندلس لم يرحب به عند أدباء عصور الأندلس ونقادها حتى بات مستهجنا عند كثير من الشعراء الذين ابتعدوا عن التعقيد والتفلسف في صياغة أفكارهم وأشعارهم آخذين إلى التبسيط والتيسير.
وقليل من الشعراء اهتم بهذا الفكر كالذي نجده عند ابن هانئ وابن وهبون وان لم يبلغوا به مرتبة توازي نظرائهم في المشرق.. وحسبنا هنا الإشارة إلى ما ذكره ابن بسام معلقا على قصيدة ابن وهبون التي بدأها بأفكار فلسفية مطلعها: