Abstract
------------- : أثار الدارسون في علم الاجتماع وعلوم المسرح تساؤلات عدة حول الجسد بوصف المجموعـة الأولى تبحث فـي الكينونة والعلاقات الناتجة عنـها , فيـما تبحث المجموعـة الثانية فـي فعل التجسيد والرؤية عبر تضافـر عناصر العرض المسرحــي وفــي مقدمتـها جسد الممثل .ومن هذه التساؤلات , هل أن الجسد عبارة عن شكل يرتبط بما يكـسيه من ملابس تخفيه نوعا ما ولكنها في الوقت ذاته تظهره بشكل مختلف عن الجسد الآخر ؟ وهل يرتبط شكل الجسد وهيئته أو وضعيته بالمجتمع المحيط به ؟ أم أن الجسد هــو معنى وجــود الإنسان ويـرتبط بهـذا الإنسان أكثـر مـن ارتباطه بما يحيط به ؟ أم أن الجسد يرتبط بالمجتمـع وبالإنسان صاحب هــذا الجسد وبالتـوافق بحيث لا يتصدر أحدهما الآخر ؟ تساؤلات عــدة أثيــرت حـول الجسد , لكنها خلصت في النهاية لإجابة واحدة منطقية , وهي , أن الجسد ما هو إلا وجود الإنسان , علاقاته الاجتماعية , وبالتالي هو وجود المجتمع , ونحن بدورنا نغلب الوجود الاجتماعي والمجتمــعي, لأننا نحاول التغلغل داخل المجتمع وتقاليده , فالمجتمع عبارة عن أفراد , ولكل فرد حي جســد حـي , ويرتبط هذا الجسد بحيوية الإنسان وبقائه ,وفقدانه الحياة معناه تحول الجسد إلى جثـــــة لا حيوية لها في المجتمـع , لأن الجثة تعمل فقط على إحالتنا لماضي الجسد عندما كان جســـدا حيا متحركا له حيزه الذي شغله طوال حياة ذلك الإنسان ,وموت الإنسان هو نهاية لمعنى وجود الجسد , أي إنهاء زماني ومكاني تامين ,فيحدث إلغاء لشكل الجسد واقعيا , وهو إلغاء لحضور كان متوجا بلغة مسموعة ومرئية , والمرئية هنا هـــي مجال بحثنا والتـي تعنـــي لغة مشفوعة بالحركة , الإيماءة ,الإشارة والوضعية الجسدية , أي لغة جسدية متأثرة ومؤثرة أيضا . وترتبط اللغة الجسدية بحضور الجسد , لأنها لغة ماديــة عينية مبنية على الوجــود المادي لمن يبدعها , وتختلف هذه اللغة من جسد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر , ولكنها أكثر حضورا في التباين بين جسد الذكر والأنثى في كافة المجتمعات . فمراكز التسوق الكبرى في دول الغرب تعمل على استخدام النساء في متاجر بيع العطور , السبب هو أن اللغة الجسدية للمرأة في إمساك قنينة العطر وفتحها ومن ثم استخدامها هي لغة ذات دلالات جنسية في تأويل الآخر مما يجعلهم أكثر إقبالا لشراء العطور من هذه المحال لزوجاتهم أو حبيباتهم , وهذا يسري على محلات بيع الملابس النسائية والأطفال مع تغير في اللغة الجسدية إذ أن الزبون هــو أنثى مثلها مضافا لها الطفل الذي تأسره اللغة الجسدية المعبرة عن الحنان والأمومة لذا فأن مجمل اللغة الجسدية للبائعة مبنية على حركات الإقناع والتدليل كما تفعل الأم مع طفلها , بينما في قسم الملابس الرجالية فأن معظم الباعة من الشباب فقط , فهم الذين يعرضون البضاعة وأحيانا يقومون بتجربتها أمام الزبائن الذكور, والأجساد هنا متشابهة نوعا ما من حيث أنها أجساد ذكورية وأن اختلفت المقاسات , أجساد لها لغة متقاربة في طريقة إمساك الجاكت والبنطلون وحتى الأحذية , لكنها في نهاية المطاف مختلفة عن اللغة الجسدية للبائعات في محال العطور والملابس النسائية وملابس الأطفال .يتجسد الاختلاف في اللغة الجسدية بين الذكور والإناث في أسواقنا المحلية بشكل جلي ,فبائع الخضر الذي ينتصب واقفا يختلف في طريقة عرضه لبضاعته عن بائعة الخضر مستخدما طبقات صوته العالية وحركة اليدين وهما تمسكان البضاعة ليجسد بالصوت والصورة صفات ما يبيع , بينما بائعة الخضر التي في الجانب المقابل للبائع تختلف كليا عن البائع افترشت الأرض واضعة العباءة على رأسها تعرض بضاعتها بصوت لا يضاهي صوت البائع وذلك بسبب التقاليد الاجتماعية لذلك تقضي معظم الوقت وهي جالسة مما يضفي على لغتها الجسدية طابع الكسل أو الخدر قياسا بلغة الرجل البائع وهذا يجعلها مختلفة عنه . إن اللغة الجسدية لكلا البائعين مصدرها واحد هو جسد الإنسان , إلا أنهما يشيران كل حسب خصوصيته الفسيولوجية والاجتماعية إلى جنسين مختلفين عن بعضهما , وهنا تبرز مشكلة البحث حول التباين بين لغة جسد المذكر والمؤنث اجتماعيا والتي تنعكس بدورها في العرض المسرحي بوصفه صورة عن حياة المجتمع , وعليه صاغت الباحثة عنوان بحثها كالآتي : - (لغة الجسد بين المذكر والمؤنث في العرض المسرحي العراقي ) .