Abstract
ان التفكير الفلسفي ظاهرة بشرية عامة , وضرورة إنسانية مشتركة . وسواء انطلقت تلك الضرورة من مستوى ً واع ٍ , أم من مستوى ً لا واعي , فان الفلسفة لم تبدأ عهدها الغائر في القدم إلا بالسؤال المرتبط بطبيعة الإنسان , والعالم المحيط به . وقد جاءت الأساطير السومرية , والفرعونية , واليونانية , بأسئلة عديدة , ووضعت محاولات للإجابة عنها . وتدور تلك الأسئلة في معظمها عن ماهية الإنسان , وعلاقته بالموجودات الكونية من حوله . إزاء تلك الأسئلة الكونية أضحت الفلسفة , تمثل وجهة نظر كلية عن العالم , وحقلها الأساس هو الإنسان , من حيث علاقاته المتعددة الأبعاد والعناصر . حيث ان كل مشكلة لا يمكن تصورها إلا ّ نسبة إلى الإنسان . وكل ما يتعلق بالعالم فلسفيا هو العالم الذي فيه الإنسان . أي بمعنى آخر هي معرفة الإنسان لذاته وبذاته . لقد دأب الفكر الفلسفي الإنساني لفترات زمنية طويلة , على اعتماد فكرة ان الإنسان يتمثل في حدود بعده الواعي . وقد سعى الإنسان منذ وجوده بمحاولاته المستمرة إلى فهم وتفسير ذلك الوجود , متسائلا ً حول ذاته ووعيه , وان كان ذلك التساؤل بدءا ً حول الوجود ذاته لا عن أداة إدراكه ( الوعي ) . ومع تقدم صيرورة الفكر الإنساني , انتقل السؤال الاشكالوي إلى أداة الإدراك ذاتها , وقد نتج تبعا ً لذلك أسئلة أخرى , تمحورت حول ماهية الوعي , وتحديد ملامحه وضبط مبادئه , ثم تعيين حدود اشتغاله . ان السؤال المعرفي , لم يكن هاجسا ً حاضرا ً إلا من جهة علاقته بمسألة الوجود كمكوّن كلّي وكذلك هو شأن نمط التفكير الفلسفي الذي كان سؤاله عن الوجود المحض , أسبق من سؤال أداة إدراكه . ويقف الفن المسرحي على رأس قائمة الأنماط الفنية التي تعنى بعملية الاتصال الفعالة بين المنتج للعمل المسرحي والمتلقي , الذي يشارك في إكمال صورة العمل النهائية . والأداة الرئيسية في خلق ذلك التواصل هو الممثل , بكينونته المتوافرة على مجمل المكونات العقلية , من حيث انبجاسها في الأداء الواعي , أو غورها في اللاوعي . وإذا كان الإنسان / الممثل , ذاتاً واعية , وتخترقه في الوقت نفسه دوافع لا واعية . فما هي العلاقة بين الوعي واللاوعي ؟ وأيهما يتحكم في الآخر , أو في الذات ؟ وإذا كانت وظيفة الوعي هي تقديم صورة حقيقية عن الواقع والذات , ألا يمكن ان يصبح خاضعا ً لمقولات الوهم والايدولوجيا , فيتم تزييف الواقع وتشويه الحقائق ؟ومن خلال ملاحظة المنجز الإبداعي لأداء الممثل المسرحي العراقي, يبرز الاهتمام بالسؤال عن مديات العناية التي يوليها الممثل المسرحي , لمجموع تلك الأسئلة , وأسئلة أخرى تتعلق بماهية الوعي واللاوعي ودلالاتهما المعرفية , وما هي علاقة الوعي باللاوعي ؟ وما الذي يحكم وجود الذات الأدائية الفاعلة , هل هو الوعي أم اللاوعي , وما طبيعة انتاجات كل منهما ؟فضلا عن تلك الأسئلة , يطرح الباحث أسئلة أخرى , تهتم بعلاقة الوعي باللاوعي , بالمعنى الذي يهدف إليه الممثل ؟ وما علاقة الوعي بالذاكرة والزمن ؟ وما علاقة الوعي واللاوعي بالادراكات الحسية ؟ وكيف تتحدد العلاقة بين الوعي الاجتماعي والوجود الاجتماعي للممثل , من خلال أدائه المسرحي ؟ ومن خلال هذه التساؤلات وعلاقتها بأداء الممثل المسرحي , برزت مشكلة البحث , ومن خلالها تحدد عنوانه الموسوم ( الوعي واللاوعي في أداء الممثل المسرحي ) .