Abstract
مع بروز الحرب الباردة في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945 وسيطرتها على علاقات الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي اللذين برزا كأقوى قوتين في الساحة الدولية , تسللت هذه المظاهر إلى كل مناطق العالم , وتمكنت كل قوة من هاتين القوتين من حراسة منطقة نفوذها حراسة تامة تقريباً , وترتب على ذلك الوضع القائم , واستمراره لفترة طويلة حيث تمتعت خلاله كل كتلة باستقرار داخلي إلى حد كبير , كما امتدت المنافسة بين الكتلتين إلى الشرق الأقصى والشرق الأوسط وإفريقيا وأخذت المنافسة شكل التدخل المباشر والغير مباشر بواسطة أطراف ثابتة حيث شهدت السنوات الأولى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ما يحتمل وما يجب أن يؤول إليه النظام السياسي العالمي , وكان في مقدمتها العلاقات ما بين موسكو وواشنطن , فلقد ساد لدى الأمريكان والروس على حد سواء الاعتقاد بضرورة تحديد طبيعة أبعاد هذه العلاقة , وهكذا فإن العالم ما بعد الحرب لم يشهد فقط المشاركة الفعالة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في الشؤون الدولية , وإنما شهد احتكامهم لتقرير مصير العالم .إن الصورة الدقيقة التي برزت في النظام العالمي الجديد أثر ما خلفته الحرب من دمار هو التلاشي السريع للنظام الاستعماري القديم في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا ليحل محله بضع عشرات من الدول التي استقلت حديثاً , وصراع فكري بين الشرق والغرب لاحتواء هذه الدول .بدأت ترتفع حدة الحرب الباردة منذ الخمسينات من القرن العشرين بين المعسكرين وذلك على جبهات مختلفة , أبرزها الشرق الأوسط وأوربا الوسطى فبعد ثورة 23 يوليو 1952م في مصر بدأ الشرق الأوسط يمثل مكاناً هاماً بين الدول الكبرى , وهنا نجد أفريقيا بخلاف قارة آسيا التي كانت موطناً للحرب الباردة , واستثناء جمهورية مصر العربية فإن الحرب الباردة تأخرت نسبياً بالنسبة لأفريقيا إلى منتصف الستينات فضلاً عن أن القارة كانت محلاً للتنافس بين القوى الاستعمارية القديمة والجديدة أساساً حيث عملت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في إطار التنافس بينهما للسيطرة على العالم على العمل للحلول محل الدول الاستعمارية القديمة ( بريطانيا , فرنسا , البرتغال , إسبانيا , هولندا ) في أفريقيا . إلا أن الدور السوفيتي لم يظهر بشكل واضح في القارة إلا في غمار أزمة الكونغو عام 1960 ثم جزئياً إلى منصف الستينات وبينما كان الحد الفاصل في أوربا واضحاً بين المعسكرين , كانت دول الشرق الأوسط وأفريقيا وخاصة الدول العربية , موضوع رهان وتسابق بينهما , وذلك يعود إلى الأهمية الإستراتيجية لتلك البلاد ومخزوناتها الهائلة من البترول أضف إلى ذلك أن الأوضاع الاجتماعية والمعيشية مهلهلة , إلى درجة كانت فيها الثورات والانتفاضات الشعبية سهلة الحصول كما كانت سهلة إمكانية الاستفادة من هذه الظروف واستغلالها لمصالح دول خارجية , وانطلاقاً من هذه المعطيات بدأ التنافس بين المعسكرين يظهر رويداً على ساحة الشرق الأوسط وذلك بأن كان يحاول كل طرف تسجيل أكثر ما أمكنه من نقاط على خصمه فالولايات المتحدة عن طريق المساعدات الاقتصادية والتحالفات العسكرية المباشرة , والإتحاد السوفيتي عن طريق دعمه للدول العربية في نزاعها ضد إسرائيل وإمدادها بالأسلحة , خصوصاً لمصر وسوريا والحقيقة أن العالم العربي لم يخل طوال هذه الفترة من تأثيرات الحرب الباردة بين القوتين بدءاً بالتطورات التي أدت إلى دخول الإتحاد السوفيتي حلبة التنافس السياسي والاقتصادي مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال صفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955م جاء الرد الأمريكي سريعاً على تلك الصفقة المدوية حيث أعلن وزير الخارجية دالاس , بان دخول أسلحة سوفيتية إلى الشرق الأوسط لن يكون من شأنه إلا أن يشكل بداية لمرحلة خطيرة من سباق التسلح الذي قد لا يفيد أحداً , وأتهم الأمريكيون ومعهم الغرب عبد الناصر بأنه فتح الباب الخلفي للشرق الأوسط أمام الشيوعية وذلك يعني بداية فقدان الغرب لنفوذها في المنطقة وعلى أثر إعلان عبد الناصر عن إتمام الصفقة المذكورة في 27 أيلول , شعرت الإدارة الأمريكية بضرورة سرعة التحرك وعدم ترك اتفاقية السلاح لتجر وراءها اتفاقيات أخرى , فقامت بإرسال ( كيرمت روزفلت K.Rossevelt ) الذي كان يشغل وظيفة رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط إلى القاهرة حيث قابل الرئيس جمال عبد الناصر وأبلغه انزعاج الولايات المتحدة مما أعلن بشأن صفقة الأسلحة , وطالب روزفلت بعدول مصر عنها وبأن واشنطن بصدد اتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر إن لم يتم ذلك . يبدو أن عبد الناصر كان يدرك مدى تأثير الصفقة المذكورة والوقع الشديد الذي أحدثته في الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة لدى إدارتها السياسية , لذلك لم يكن يرغب في الرد بشكل متسرع وفضل التهدئة بالرغم من إصراره على المضي في إتمام الصفقة . وقد أظهرت زيارة جون الن J.Alan مساعد وزير الخارجية الأمريكية للقاهرة في مستهل تشرين الأول ميل كلا الجانبين لذلك , فالمصريون أكدوا بأن الأسلحة المشتراه ليست موجهة ضد أحد وبأنها لتعزيز القدرة الدفاعية للجيش المصري . ولم يكن أمام جون الن إلا أن يعلن بأن مصر دولة ذات سيادة ومسألة شراء الأسلحة هي ضمن إطار حقوق تلك السيادة . وزادت تقارير المخابرات الأمريكية من ميل الإدارة في واشنطن نحو التهدئة مع مصر عندما أشارت بان النظام المصري لا يزال يسعى لكسب صداقة الولايات المتحدة والحصول على دعمها رغم كل ما حصل , إلا أنه يبقى معارضا لبعض سياساتها في المنطقة كدعم إسرائيل وإنشاء ميثاق بغداد . ومساهمته في بناء مشروع السد العالي وهو التطور الذي سبقه وواكبه محاولات الولايات المتحدة ربط مصر وأقطار المنطقة بالتنظيمات والأحلاف العسكرية الغربية الموجهة أساساً ضد الاتحاد السوفيتي , ورغم الاتفاق النادر بين القوتين الأعظم خلال حرب السويس .في معارضتها على العدوان الثلاثي فإن الموقف العسكري الأمريكي كان مدفوعاً أساساً بالقلق من اتجاه الإتحاد السوفيتي في المنطقة , وقد عبر عن هذا وزير الخارجية الأمريكي آنذاك ( جون فوستر دالاس ) بعد أحداث السويس في بيانه الذي ألقاه أمام الكونغرس الأمريكي في نهاية عام 1956م حيث قال : " إن القادة الروس مازالوا يتطلعون إلى النجاح وأنه من مسئولية أمريكا الكبرى وقف انطلاق الشيوعية وانتشارها في الشرق الأوسط , حيث توجد الأماكن المقدسة والموارد الحيوية ووسائل المواصلات " , وفي يناير 1957م ألقى أيزنهاور خطاباً أمام الكونغرس وضع فيه الشرق الأوسط بشكل مباشر في دائرة الحرب الباردة بل وأعتبر أن سيطرة الإتحاد السوفيتي بمثابة مأساة للمنطقة ولعدد من الأقطار الأخرى التي ستتأثر تنميتها الاقتصادية ساباً , حيث أن غرب أوربا سوف يتهدد كما لو لم يكن هناك لا مشروع مارشال , ولا منظمة حلف شمال الأطلنطي وكان هذا البيان إذاناً لظهور ما عرف بمبدأ أيزنهاور الذي تضمن إلى جانب المساعدات الاقتصادية استخدام القوات المسلحة حين يطلب منها استخدام الخيار الآخر , وقد وضع هذا المبدأ موضع الاختبار الفعلي في عدة أزمات بالمنطقة في الأردن في أبريل 1957م وفي سوريا في أغسطس 1957م وخلال الأزمة اللبنانية في 1958م .وتعتبر القارة الإفريقية ميداناً للصراع الجيوبولوتيكي بين القوى الكبرى وإحدى ميادين الصراع الأيدلوجي على المستوى العالمي بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي ,فمن الناحية الإستراتيجية , , تحتل القارة موقعاً حساساً إذ تطل من جهة الشرق على المحيط الهندي والبحر الأحمر , ومن الشمال على البحر المتوسط , كما تقع كل حدودها الغربية على المحيط الأطلنطي وفي الجنوب تشرف على نقطة التقاء المحيطين الكبيرين إلى جانب سيطرتها على ثلاث مضايق من أهم وأخطر المضايق العالمية , ومن الناحية الاقتصادية فهي مصدر هائل من مصادر المواد الخام ذات القيمة الأساسية في ميدان التصنيع وإنتاج الحديد , وفي نفس الوقت تمثل سوقاً كبيراً يسهم في امتصاص قدراً كبيراً من المنتجات الأجنبية , وهذا ما يفسر ازدياد الصراع بين هذه القوى على إفريقيا , وعلى الدول العربية التي لها ميزات لا تقل عن ميزات القارة الإفريقية سيما وأن ثلثي هذه الأقطار يقع في شمال إفريقيا .