Abstract
يمكن القول إن ظاهرة الفساد الحكومي( ) ، ظاهرة عالمية لا تخص مجتمعاً بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها, بل هي موجودة عبر الزمن بوصفها حالة مؤقتة أو ظاهرة مستشرية تعاني منها المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء ، بل أنها ملازمة للحضارة البشرية , وجزء لا يتجزأ من الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية . وقد برزت في الآونة الأخيرة ظواهر إجرامية خطيرة وغير مألوفة مثل ؛ الجريمة المنظمة والإرهاب , وجرائم غسيل الأموال وغيرها , وهي في مجملها أنشطة إجرامية معززة ومساندة بقدر من الفساد( ) , تتفشى في الأوساط السياسية والقضائية وأجهزة إنفاذ القوانين وتقف المجتمعات إزاء هذه الظواهر في حيرة من أمرها ، إلا أن حالات الفساد غالباً ما تحدث في المراحل التي تعقب انهيار أنظمة سياسية فتترك فراغات دستورية وقانونية وإدارية مما يحفز البعض من ذوي النفوس الضعيفة على استغلال نفوذهم ومراكزهم من أجل الإثراء على حساب المال العام( ) ، وقد كثر الحديث عن الفساد الحكومي في العراق سواء عبر وسائل الإعلام المختلفة , أو خلال الندوات والمؤتمرات ؛ بل وأصبح حديث الشارع العراقي خصوصاً بعد احتلال العراق وسقوط النظام في بغداد عام 2003 , وكان لانعدام الأمن والاستقرار وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وضعف الجهاز الرقابي على الوظائف العامة وعدم قدرة الإدارة على اتخاذ القرار المناسب في مكافحة الفساد بسبب عدم استقرار المؤسسات القانونية والقضائية , دوراً واضحاً في تفشي هذه الظاهرة ، إذ أصبح العراق يحتل مركزاً متقدماً بين الدول الأكثر فساداً , ففي تقرير لمنظمة الشفافية الدولية( ) , صدر عام 2004 تمت الإشارة فيه إلى انحدار العراق نحو مصاف الدول الفاسدة, كما حذرت المنظمة في عام 2005 من قرب دخول العراق دائرة الدول الأكثر فساداً في العالم , ولقد تحقق ذلك فعلاً في عام 2006, حيث احتل العراق المرتبة الثالثة في عام 2007, وأخيراً تبوأ مرتبة الصدارة في عام 2008 إذ أصبح أسوأ من الصومال وأفغانستان , ودول أخرى لا تملك من خيرات العراق شيئاً( ) . وقد استحدثت هيأة في العراق تسمى ( هيأة النزاهة ) وهي جهاز مستقل عن الأجهزة الحكومية الأخرى لمحاربة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية إلى جانب أجهزة أخرى تتمثل (بديوان الرقابة المالية والمفتشين العموميين) وقد أسست هذه الهيأة بالأمر رقم 55 لسنة 2004 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) والقانون النظامي الملحق به الصادر عن مجلس الحكم الانتقالي (المنحل) الذي منحها سلطة الاستعانة بالإجراءات الجزائية من خلال التحقيق في قضايا الفساد الحكومي الداخلة في اختصاصها . ويعد تأسيس هيأة النزاهة في العراق ومنحها صلاحيات رقابية وتحقيقية, يشكل حدثاً قانونياً على قدر كبير من الأهمية من حيث الوجود والدلالات , فهذه التجربة الحديثة على مستوى المنطقة تعطي دلالات ذات مغزى خاص أهمها أن قيم سيادة القانون والديمقراطية في العراق ستسير بالاتجاه الصحيح ما دامت هذه الهيأة تعمل بشكل مستقل وبكفاءة وفعالية , وتكتسب خبرات عمل مهنية . فضلاً عن ذلك فإن انضمام العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 والتصديق عليها بموجب القانون رقم 35 لسنة 2007 سوف يجعله ملزماً من الناحية القانونية بأحكامها , أي أن ما ورد في الاتفاقية من بنود يصبح لها حكم القانون وقوته داخل الدولة , وقد أكدت الاتفاقية ضرورة وجود هيأة أو هيئات حسب الاقتضاء تتولى منع ومكافحة الفساد لدى الدول الأطراف في الاتفاقية( ) .