Abstract
ملخص البحث
يثير هذا البحث ظاهرة التحوّل القيميّ عند أبي بكر محمّد بن عمّار الأندلسي, الشاعر الذي يتبنّى قضيّة ما, فيدافع عنّها بكلّ ما أُوتي من بيان, وقوّة شعر وسلاطة لسان, ثم ما يلبث أنْ يتخلّى عن تلك القضيّة, لينقلب إعجابه, ازدراءً, ومدحه هجاءً, ودفاعه عنها حربًا شعواء, فهو لم يَنسَ بعدُ تلك الأماني العذبة التي كانت تزحم نفسه يوم ضاق به العيش في بلدته(شلب) فنزح عنها وفي نفسه آمال، وفي قلبه أمان، وفي صدره عزم، وفي دمائه شِعر, لقد ترك بلدته ,مهد ميلاده, ومَدْرج طفولته, ومَغْنى شبابه ؛ ليدُور بشعره على الملوك, يسترفد مالهم بما يرفده عليهم من شِعره وقد دار، ومدح، فبَالَغ في المدح، وكذَب على الحق فأوغَل في الكذب، وأمات ضميره؛ ليجعل الظالم منهم عادلًا, والمجنون فيهم حكيمًا، وقد محا من ذاكرته كل ما يعرفه عن هؤلاء الملوك من شر، و أنمى بشاعريته كلَّ ما كان يعرفه عنهم من خير، ثم زاد عليه، وأنشأ لهم الخير، وقلب مقابحهم أفضالًا, ومدح ثم مدَّ يدَه وثناها, ألا ما أبخس ثمن الضمير في رحاب الملوك! إنه ليفكر, أنال كُفْء ما أعطى؟ أكانت تساوي هذه الدُّرَيهِماتُ خروجه ودورانه وكذبه واختلاقه؟ ليس ابن عمار من فعل بنفسه هكذا, بل زمانه (عصر الطوائف) من يدفع بالصادق حتى يصبحَ كذوبًا, وبالمخلص حتى يخون, والمعتدل حتى ينحرف, فكان المزاج الأدبي يفرض على الشاعر(غالبا) توجيهات مضمرة, كي يكسب أكثر, ويتقرّب أكثر.من هنا تستثمر هذه الدراسة ظاهرة التحوّل القيميّ للمواقف عند ابن عمار, فوجدناه يتحوّل من القيمة المدحية إلى القيمة الهجائية بلمح البصر, لا لشيء؛ بل للضرورة النفعيّة والوصولية فقط! ومن ثم ينقلب الهجاء اعتذارًا تمهيدًا للمدح مرة ثانية, إنْ سنحت الفرصة بذلك