Abstract
اتفق بعض المؤرخون ان دولة روسيا متخلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً قياساً بالدول الأوربية الاكثر تطوراً والسبب الرئيس هو فقدانها الاستقلال الوطني ووقوعها تحت الحكم المغولي طوال قرنين ونصف تقريباً للمدة من (1237–1480م), وكان هدف المغول من دخول روسيا الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية, وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع لا بد من معرفة الوضع العام في روسيا قبل دخول المغول اليها. الوضع العام في روسيا قبل الاحتلال المغولي كانت روسيا الجنوبية في مطلع القرن الحادي عشر الميلادي خاضعة لقبائل "القومانCumans والبلغار BulgarوالخزرKhazars والبتزيناك Patzinaks ", اما باقي روسيا الأوربية فكان مقسما إلى أربع وستين إمارة أهمها " كييفKiev, ونفغورود Novgord, وريازان Riazan, وبرياسلاف Pereyaslavl ", وكانت هذه الإمارات تعترف بسيادة كييف عليها (1). وقبل أن يموت ياروسلاف (2) Yaroslav, وزع هذه الامارات على أولاده عام1054م , ولكن سرعان ما نشبت الخلافات بينهم, مما أدى إلى انقسام هذه الإمارات إلى عدد من الإقطاعيات, وهكذا نشأ النظام الإقطاعي في روسيا, ونتيجة للفوضى التي واكبته, فقد اضمحلت مملكة كييف وسقطت, ونشبت بين عامي1054م , 1224م , ثلاث وثمانون حرباً أهلية في روسيا وأُغير عليها ستة وأربعون مرة , وشنت دول روسية ستة عشر حرباً على شعوب غير روسية , وتنازع " 293" اميراً عرش أربع وستين إمارة , ونتيجة لهذه الفوضى وإهمال الشعب الروسي الذي أصابه الفقر, فقد قامت اضطرابات وثورات في كييف وغيرها ضد الاستغلال والبطالة وهاجمت الجماهير الروسية بيوت المرابين ونهبتها , واستنجد الروس بــــ " فلاديمير مونوماخ Monomankh " Vladimir (3) وقد حاول إصلاح أمور الناس الفقراء وذلك بتخفيض سعر الفائدة على القروض وقيَّد سلطة أرباب العمل, ولكن اصلاحلاته لم ترض الأغنياء واعتبروها بمثابة مصادرة لأموالهم ونقم عليها الفقراء لأنها لم تحدث تبديلاً جوهرياً في مستوى معيشتهم, وهكذا فشل مونوماخ في اصلاحاته وعاد النزاع بين الامراء, واحتدم الصراع بين الشعب والامراء الروس وعمت الفوضى في الإمارات الروسية(4). وثارت العداوة بين الامارات عندما حاولت كل امارة ان تستولي على أراضي الامارات الأخرى وأدت الحروب المتواصلة إلى تدهور الأوضاع المالية للامارات وساد الضعف في البلاد(5).الحملات العسكرية على المدن الروسية ( 1237-1240م) انتهز المغولMongols (6) هذه الأوضاع السيئة التي تم ذكرها مسبقاً, واقتحمت جيوشهم عام1237م التي بلغت تعدادها ثلاثمائة الف فارس من الخيالة وكانت جيدة التسليح والتنظيم بقيادة باتو Bata (7) الحدود الشرقية للأراضي الروسية(8) بعد ان استولوا على مدن اسيا الوسطى والقفقاس المزدهرة ودمروها, وكانت امارة ريازان هي اول من تلقى ضرباتهم, وقد دافع عنها جميع المواطنين بشجاعة وتم حرقها وأخذ في الأسر من بقى حياً, وبعد ان استولى المغول على ريازان في الحادي عشر من كانون الاول 1237م , ثم سقطت كولومنا Kolomna, بعد بضعة ايام, وفي الاول من كانون الثاني 1238م حاصروا مدينة فلاديمير, وقد ابدى الفلاديميريون شجاعة فائقة, ولكنها لم تصمد للقتال اكثر من ستة ايام واقترن سقوطها في الثامن من شباط 1238م بمذبحة جماعية للسكان(9). واستمر المغول في السيطرة على جميع المدن الروسية واحرقوا في طريقهم وموسكو Moscow , وروستوف Rostov, , وسوزدالSuzdal، وياروسلافYaroslav, وتفيرTver وغيرها, وفي الرابع من اذار 1238 تحركت القوات المغولية الى الشمال الغربي الى مدينة نوفغورود الغنية بالموارد الاقتصادية, ولكنها لم تصل اليها, فالمعارك لم تنقطع تقريباً مع القوات الروسية, الامر الذي أدى الى ضعف المغول وقل عدد قواتهم وأصبحت الغابات والمستنقعات والبحيرات حول هذه المدينة مستحيلة العبور امام فرسان المغول, وتحولوا إلى الجنوب في مناطق البراري لكي يكملوا قواتهم ويدعموها, وأدركوا ان الطريق اليه ليس سهلاً, عندئذ بدأت القوات المغولية بمحاصرة المدن الروسية واستمر حصار مدينة كورسكKoursk اكثر من (50) يوماً واقتحم المغول هذه المدينة لكن سكانها ابدت مقاومة شديدة, وتبعاً لذلك أطلق الاعداء عليها " المدينة الشريرة " (10). وتوجه الجيش المغولي بقيادة باتو إلى اوكرانياUkrainia , في السادس من كانون الأول عام 1240م , فنهب شرنيجوف Chernigov, وبريايسلافل Pereyaslavl, واستولى على كييف وتم حرقها , وتدمير الحقول الزراعية فيها, ويتحدث المؤرخون المحدثون عن دخول المغول للبلدة وما أحدثته من ضجيج للعربات وخوار الجمال والماشية وصهيل الخيول، وجرافات الحرب الوحشية للمهاجمين حتى أن سكان المدينة كان لا يسمع بعضهم كلام البعض الآخر، إلا بصعوبة نتيجة أصوات العربات والزعيق, واستعد الروس لمواجهة المغول الذين فرضوا حصاراً طويلاً بعده اخترق المغول دفاعات حاميات مدينة كييف، وهجموا على سكان البلد، وانزلوا بهم القتل والتجأ بعض السكان إلى الكاتدارئية(11) من أجل حماية انفسهم، وتم طرد مجموعة من اللاجئين المرعوبين عندما انهارت تحت وطأتهـم، ووضعت السيوف على ما تبقى منهم وبعـد مقاومة شديدة وسقوط آخـر مدافع عن المدينة سقطت كييف في الوقت ذاته، وتـم تدمير كنائسها واتلفت ثروة مواردها الغنية وهرب بعض الزعماء الذين استطاعوا انقاذ انفسهم بإتجاه الغرب إلى بولندة أو المجر , ولكنهم تركوا ايضاً الآلاف من جثث جنودهم في الأراضي الروسية(12).