Abstract
إذا كان للوزن أهمية في تكوين العمل الشعري فَإِنَّ للقافية أيضا تلك الأهمية بوصفها قسيمه له . وإذا كان الوزن قد عد هو الفاصل بين ما هو شعر وما هو نثر , فَإِنَّ القافية هي الفاصل بين الكلام الموزون المقفى وغير المقفى( ) .وعندما عني القدماء في دراستهم بأوزان الشعر , وحاولوا ربطها بدلالته , كذلك عنو بالقافية, وربطوها بدلالات الشعر( ) لأَنَّها تمثل المرتكز الذي تسير عليه أبيات القصيدة الواحدة بوصفها مظهرا من مظاهر الشعر , ومن دونها يصبح الإبداع شيئا أخر. ولأهمية القافية عند القدماء, فقد استعملت عندهم للدلالة على القصيدة كما قال أبن رشيق "ومنهم من جعل القافية القصيدة كلها, وذلك أتساع ومجاز"( ) لاشك في أَنَّ التعميم يدل على أهميتها .وقد جاءت هذه الأهمية في الشعر لأَنَّ القافية تحدد المعنى من جهة وتكسبه لذة يبعثها النظام والاتساق( ) كونها تمثل "فاصلة موسيقية تنتهي عندها موجة النغم في البيت وينتهي عندها سيل الإيقاع ثم يبدأ البيت من جديد كالموجة تصل إلى ذروتها وتنحسر لتعود من جديد ..." ( ) .وإذا صح أَنَّ القافية إيقاع أنطبق عليها هذا التعريف , وإِنَّهُ لمنطبق, فما هو إلا صورة موسيقية للصورة الأدبية( ) - فضلاً عن - المقياس الجمالي وقد عبروا عنه برعاية التناسب في الصوت وهذا المقياس يعني تكرار الروي أو حركة ما قبله أو ما قبل هذا , فإذا لم يحصل هذا التكرار فهناك عيب في القافية( ) - فضلاً عن - العربية لا يصلح شعرها من دون قافية , لأَنَّها لغة قياسية رنانة يجب أَنْ يراعي فيها القياس والرنة , وفيها من القوافي المتناسبة ما يتعذر نظيره في سائر اللغات( ) . وبقي حال القافية هكذا حتى جاء العصر العباسي , وازدهرت فيه ألوان الغناء وتعددت الأنغام وتعقدت , وأصبحت تتطلب من الشعر نوعا قد تعددت فيه القوافي وتنوعت , وهنا بدا الشعراء ينوعون في نظام القافية ( ) والذي أسعف الشعراء في تنوع القافية هو تطور بيئتهم وخزينهم الهائل من مفردات اللغة العربية وكثرت المترادفات والمشتقات .وبهذا فقد التزم بعض الشعراء بنظام القافية الموحد وهي تعني أَنَّهُ إذا كان آخر البيت الأول من القصيدة لاماً مثلا التزمت هذه اللام في آخر كل بيت من أبيات القصيدة( ) وعرج شعراء آخرين إلى إتباع النظام المزدوج في القافية . وهي أَنْ يراعي الناظم فيها تكون الأبيات مصرعة فقافية الشطر الأول هي نفس قافية الشعر الثاني. وقد وجد بعض شعر العصر العباسي هذا النظام سهلا يسيرا لا يكلفهم مشقة أو عنتا ولا تطغي قوافيه على ما قد يجول في صدورهم من معان وأخيلة( ) وهذا من غير شك وجد في شعر الطرد في هذا العصر, ولعل طبيعة الغرض وسرعة إيقاعه هي التي دفعت الشعراء إلى الالتزام بهذا النظام في طردياتهم ولعلنا بهذا القدر قد أعطينا للقافية و أهميتها ووظيفتها وتأثيرها في الشعر العربي جزءاً من حقها وجديرا بالذكر أَنَّ هناك مجموعة من الأمور المهمة التي ترتبط بالقافية, لابد من الوقوف عندها, ولعل من أبرزها :